فمحمول على بيان جواز ترك السجود، وأنَّه سنة ليس بواجب، ويُحتَاج إلى هذا التأويل، للجمع بينه وبين حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو كلام نفيسٌ.

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قول الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "باب من قرأ السجدة، ولم يسجد" ما حاصله: يشير بذلك إلى الردّ على من احتج بحديث الباب على أن المفصَّل لا سجود فيه كالمالكيّة، أو أن "النجم" بخصوصها لا سجود فيها، كأبي ثور؛ لأن ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدلّ على تركه مطلقًا، لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك، إما لكونه كان بلا وضوء، أو لكون الوقت كان وقت كراهة، أو لكون القارئ لم يسجد، أو ترك حينئذ لبيان الجواز، وهذا أرجح الاحتمالات، وبه جزم الشافعيّ؛ لأنه لو كان واجبًا لأمره بالسجود، ولو بعد ذلك.

وأما ما رواه أبو داود وغيره من طريق مَطَرٍ الْوَرَّاق، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- "أن النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسجد في شيء من "المفصل" منذ تحول إلى المدينة"، فقد ضعَّفه أهل العلم بالحديث؛ لضعفٍ في بعض رواته، واختلاف في إسناده، وعلى تقدير ثبوته فرواية من أثبت ذلك أرجح؛ إذ المثبت مقدَّم على النافي، فسيأتي في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- ثبوت السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (?)} [الانشقاق: 1].

ورَوَى البزار، والدارقطني، من طريق هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- "أن النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سجد في سورة النجم، وسجدنا معه". والحديث رجاله ثقات.

وروى ابن مردويه في "التفسير" بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه رأى أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- سجد في خاتمة "النجم"، فسأله، فقال: إنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسجد فيها، وأبو هريرة -رضي اللَّه عنه- إنما أسلم بالمدينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015