قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن مما سبق أن ظاهر الحديث، وإن دلّ على أن الذي لم يسجد رجل واحدٌ فقط، وهو الذي رفع كفًّا من حصى، فقال: يكفيني هذا، لكن جاء في الأحاديث ما يدلّ على عدم سجود غيره أيضًا، كما سبق آنفًا.
ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنّفه" عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشُّهْرة".
ومنه ما أخرجه النسائيّ من حديث المطَّلِب بن أبي وَدَاعة، قال: "قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النجم، فسجد، وسجد مَن معه، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد، ولم يكن الْمُطَّلب يومئذ أسلم"، زاد في رواية أحمد: "وكان بعد ذلك لا يسمع أحدًا قرأها إلا سجد"، وفي رواية: "قال المطّلب: فلا أدع السجود فيها أبدًا".
ويُجاب بأن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- لعله لم ير غير ذلك الرجل، فاقتصر عليه، أو خَصّه بالذكر؛ لاختصاصه بأخذ الكفّ من التراب دون غيره، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: (أَخَذَ كَفًّا) جملة في محلّ رفع خبر "أن"، وقوله: (مِنْ حَصًى) بيان لـ "كفًّا"، والمعنى أنه أخذ ملأ كفّ من حصًى (أَوْ) للشكّ من الراوي (تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ) أي الكفّ (إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا) أي عن السجود على الأرض، وإنما قال ذلك تكبّرًا وتعاظمًا على اللَّه تعالى، وقيل: قاله ظنًّا منه أن المقصود منه التواضع، والانقياد للَّه تعالى بوضع أشرف الأعضاء على الأرض، وقد حصل بالتراب، والوجه الأول هو الصواب؛ إذ ظاهر السياق يدلّ عليه، فتأمل، واللَّه تعالى أعلم.
(قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ) بالبناء على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها، أي بعد ذلك الوقت، وفي رواية البخاريّ: "فرأيته بعد ذلك"، وكان قتله يوم بدر (قُتِلَ) بالبناء للمفعول (كَافِرًا) منصوب على الحال، وذلك لشؤم تكبّره عن السجود الذي اشترك فيه المسلمون والمشركون، إلا هو، فآل به الأمر أن قُتل كافرًا.
[تنبيه]: أخرج البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "التفسير" من "صحيحه" من رواية