واختَلَف السلف، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: يسجد على ظهر أخيه، وبه قال الكوفيون، وأحمد، وإسحاق، وقال عطاء، والزهريّ: يؤخر حتى يرفعوا، وبه قال مالك، والجمهور، وإذا كان هذا في سجود الفريضة، فيجري مثله في سجود التلاوة، وظاهر صنيع البخاريّ أنه يذهب إلى أنه يَسْجُد بقدر استطاعته، ولو على ظهر أخيه. انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم سجود التلاوة:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن سجود التلاوة سنة، وليس بواجب، وممن قال بهذا عمر بن الخطاب، وسلمان الفارسي، وعمران بن حصين، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وغيرهم -رضي اللَّه عنهم-.
وذهب أبو حنيفة: إلى أن سجود التلاوة واجب على القارئ، والمستمع، واحتج له بقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} [الانشقاق: 20، 21]، وبقوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، وبالأحاديث الصحيحة أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سجد للتلاوة، وقياسًا على سجود الصلاة.
واحتجّ الأولون بالأحاديث الصحيحة:
(منها): حديث زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-، قال: قرأت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فلم يسجد فيها. متفق عليه.
(ومنها): ما احتج به الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذه المسألة، وهو حديث الأعرابيّ: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطّوّع". متفق عليه.
(ومنها): "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قرأ يوم الجمعة على المنبر "سورة النحل"، حتى إذا جاء السجدةَ نزل، فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة، قرأها، حتى إذا جاء السجدةَ، قال: يا أيها الناس إنما نَمُرّ