بالسجود، فمن سجد، فقد أصاب، ومن لم يسجد، فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر". وفي رواية قال: "إن اللَّه لم يَفْرِض السجود إلا أن نشاء"، أخرجهما البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه".
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا القول من عمر -رضي اللَّه عنه- في هذا الموطن، والْمَجْمَع العظيم دليلٌ ظاهرٌ في إجماعهم على أنه ليس بواجب، ولأن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت صحيح صريح في الأمر به، ولا معارض له، ولا يوجد هنا.
وأما الجواب عن الآية التي احتجوا بها، فهي إنما وردت في ذمّ الكفار في تركهم السجود استكبارًا، وجحودًا، وأما المراد بالسجود في الآية الثانية سجود الصلاة، والأحاديث التي احتجّوا بها محمولة على الاستحباب، جمعًا بين الأدلة، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- من "مجموعه" (?).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور، وهو عدم وجوب سجود التلاوة هو الراجح؛ لقوة حجته، كما ذُكِر آنفًا.
ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاويّ: من أن الآيات التي في سجود التلاوة، منها ما هو بصيغة الخبر، ومنها ما هو بصيغة الأمر، وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر، هل فيها سجود أو لا؟ وهي ثانية الحجّ، وخاتمة النجم، واقرأ، فلو كان سجود التلاوة واجبًا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يُتَّفَقَ على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر. انتهى. وهو بحثٌ جيّدٌ.
والحاصل أن القول باستحباب سُجود التلاوة هو الأرجح، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في عدد سجود القرآن: