حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى يومًا، فسلّم في ركعتين، فأدركه ذو الشمالين، فقال: يا رسول اللَّه أنقصت الصلاة، أم نسيت؟ . . . الحديث.
قلت: هذه الروايات وَهَم -واللَّه أعلم- لكثرة الرواة الحفاظ الذين رووا هذا الحديث من طرق متعددة، وكلهم يقول فيه: ذو اليدين، وكأن معمرًا اشتبه عليه رواية أيوب برواية الزهريّ؛ لأنه رَوَى الحديث عنهما جميعًا، وفي حديث الزهريّ: ذو الشمالين كما تقدم، فحَمَلَ معمر عليها رواية أيوب، وخصوصًا رواية سفيان بن حسين، فإنه كثير الغلط والوهم، لا يعتدّ بخلافه.
ومما يدلّ على ذلك أن في كل واحدة من هاتين الروايتين أعني حديث معمر عن أيوب، وحديث عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة: فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصدق ذو اليدين؟ "، فعاد إلى الصواب في تسميته في الحديث نفسه. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
الطريق الثاني:
الجمع بين هذه الروايات كلِّها بجعلها واقعتين:
إحداهما: قبل بدر، والمتكلم فيها ذو الشمالين، ولم يشهدها أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-، بل أرسل روايتها.
والثانية: كان حاضرًا فيها، والمتكلم يومئذ ذو اليدين، وهذه الطريق حكاها القاضي عياض في "الإكمال"، واختارها؛ لما فيها من الجمع بين الروايات كلها، ونفي الغلط والوهم عن مثل الزهريّ، وفيها نظر من جهة ما تقدم في رواية يونس عن ابن شهاب: صلّى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال فيها: فقال ذو الشمالين، فإنه لا يمكن الجمع بين هاتين اللفظتين، كما تقدم من قتل ذي الشمالين ببدر، وإسلام أبي هريرة بعد ذلك بسنين كثيرة، اللهم إلا أن يكون الوهم في هذه الرواية جاء في قوله: "صلّى بنا" من بعض الرواة.
وعلى كلّ تقدير فذو اليدين الذي كان حاضرًا مع أبي هريرة قصة السهو غير ذي الشمالين هذا بلا ريب فيه.
بقي النظر في أنه هل هو الْخِرْباق المتكلم في حديث عمران بن حُصين أو غيره؟ .