الذي اختاره القاضي عياض، وابن الأثير في "شرح مسند الشافعي"، والنوويّ في غير ما موضع أنهما واحد.

وأما أبو حاتم بن حبان، فإنه جعلهما اثنين، فقال في "معجم الصحابة" من كتابه "الثقات": الْخِرْباق صلّى مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث سها، وهو غير ذي اليدين، وقال بعد ذلك: ذو اليدين صلّى مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث سها، لم يزد.

وأما ابن عبد البرّ، فقال في كتابيه: يَحْتَمِل أن يكون الخرباق ذا اليدين، ويحتمل أن يكون غيره، فيكونان اثنين. وكذلك قال أبو العباس القرطبي وغيره.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي ترجّح عندي هو الذي ذهب إليه ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- من كونهما اثنين، وأن الذي في قصّة أبي هريرة غير الذي في قصّة عمران؛ لوضوح الفارق بينهما على ما سيأتي بيانه، فتأمل، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة):

في بيان طُرُق هذا الحديث، وما اشتَمَل عليه من الألفاظ، وبيان من تابع أبا هريرة، وعمران بن حصين -رضي اللَّه عنهم- على هذه القصة، وبيان تعدّدها، وأنها ليست واقعة واحدة على الراجح.

لقد أجاد البحث في هذا الحافظ العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

حديث ذي اليدين مشهور جدًّا، وخصوصًا رواية أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

قال الإمام أبو عمر بن عبد البرّ: ليس في أخبار الآحاد أكثر طرقًا من حديث ذي اليدين هذا إلا قليلًا، وهو كما قال.

ثم ذكر طُرُقه ملخصةً، فقال: رواه مالك في "الموطأ" عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وأخرجه من جهته البخاريّ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

ورواه عن أيوب السختيانيّ أيضًا سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، أخرجه مسلم من طريقهما، ورواه أبو داود أيضًا من حديث حماد بن زيد، وهو في "جامع عبد الرزاق" عن معمر، عن أيوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015