طولهما بالبذل والعمل، وأيًّا ما كان، فليس ذلك مما يقتضي ذمًّا ولا نقصًا.

وثانيهما: يُشعر بتنقيص المسمّى به وذمّه، وليس ذلك بوصف خَلْقيّ، فلا ريب في تحريم ذلك، لدلالة الآية الكريمة، ولا يزول التحريم برضى المُسمى به بذلك، كما لا يرتفع تحريم القذف والكذب برضى المقول فيه بذلك، واستدعائه من قائله.

وثالثها: ما يُشعر بوصف خَلْقي، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأشلّ، والأثرم، وأشباه ذلك، فما غلب منه على صاحبه حتى صار كالعلَم له بحيث إنه يَنفكّ عنه قصد التنقص عند الإطلاق غالبًا، فليس بمحرّم، ولعلّ إجماع أهل الحديث قديمًا وحديثًا على استعمال مثل ذلك، ولا يضرّ كون المقول فيه يكرهه؛ لأن القائل لذلك لم يقصد تنقّصه، وإنما قصد تعريفه، فجاز هذا للحاجة، كما جاز جرح الرواة، وذكر مثالبهم للحاجة إليه، وما كان غير غالب على صاحبه، ولا يُقصد به العَلَميةُ والتعريفُ له، فلا يسمّى لقبًا، ولكنه إذا عُلِم رضى المقول فيه بذلك، ولم يُقصَد تنقّصه بهذا الوصف لم يحرم، ومتى وُجد أحد هذين كان حرامًا، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في بيان ما يتعلق بذي اليدين -رضي اللَّه عنه-:

لقد أجاد البحثَ في هذا الموضوع الحافظُ أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (664 - 763 هـ) في مؤلف لا نظير له في بابه، سماه "نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد"، فأتى فيه بالعجب العُجاب، فلذا أحببت إيراد هذا البحث مما كتبه -رَحِمَهُ اللَّهُ-، تتميمًا للفائدة، ونشرًا للعائدة. قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

للناس فيه خلاف في موضعين:

أحدهما: في أنه ذو الشمالين، أو غيره.

والثاني: في أن ذا اليدين هل هو الْخِرْباق المذكور في حديث عمران بن حصين، أم هما اثنان؟ .

أما الأول: فجمهور العلماء على أن ذا اليدين المذكور في حديث السهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015