قال الحافظ العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": باب ما يجوز من ذكر الناس، نحو قولهم: الطويل والقصير، وقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يقول ذو اليدين؟ "، وما لا يُراد به شَيْنُ الرجل، ثم ساق حديث ذي اليدين بسنده، مشيرًا به إلى أن مثل هذه الألقاب والصفات التي لا يُراد بها وصف الرجل بما فيه نقص عليه، ولا يتأذّى منه يجوز، وأن قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] عامّ مخصوص بما لا يتأذّى به الملقَّبُ كما في هذا الحديث، وكقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لعليّ -رضي اللَّه عنه-: "قم أبا تراب"، ونحو ذلك، أو هو عامّ أريد به الخصوص بدليل قوله تعالى عَقب ذلك: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} الآية [الحجرات: 11].
ففي الآية إشارة إلى أن المنهيّ عنه التلقيب بالفسق ونحو ذلك، وهكذا قال قتادة، وعكرمة في تفسير الآية: هو الرجل يقول للرجل: يا فاسق، يا منافق، يا كافر.
وقال الحسن: كان اليهوديّ والنصرانيّ يُسْلِم، فيُقال له بعد إسلامه: يا يهوديّ، يا نصراني، فنُهُوا عن ذلك.
وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عملَ بالسيّآت، ثم تاب منها، وراجَعَ الحقَّ، فنهى اللَّه تعالى أن يُعيّر بما سلف من عمله.
وكلّ هذه التفاسير راجعة إلى ما دلّت عليه تمام الآية.
وروى الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "جامعه" عن أبي جُبَيرة بن الضحاك الأنصاريّ -رضي اللَّه عنه-، قال: كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة، فيُدعى ببعضها، فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}. قال الترمذيّ: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ (?).
والحاصل: أن الألقاب على ثلاثة أقسام:
قسم منها لا يُشْعِر بذمّ ولا نقص، ولا يَكره صاحبه تسميته به، فلا رَيبَ في جوازه، كما في قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصدق ذو اليدين؟ "، فقد تقدم أن هذا الصحابيّ -رضي اللَّه عنه- كانت يداه طويلتين، وأنه يَحْتَمِل أن يكون ذلك كنايةً عن