وفرّق بعض المالكية والشافعية بين ما إذا كان المخبرون ممن يحصل العلم بخبرهم، فيقبل، ويقدم على ظن الإمام أنه قد كمّل الصلاة، بخلاف غيرهم.

قال الجامع عفا اللَّه عنه تعالى: الذي يظهر لي أن الراجح ما ذهب إليه مالك، وأحمد رحمهما اللَّه من رجوع الإمام إلى قول المأمومين مطلقًا، ولو لم يتذكر؛ لظاهر حديث الباب، ولعدم ورود ما يدلّ على اشتراط التذكُّر بل إطلاق قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإذا نسيتُ فذكِّروني"، يدلّ على خلافه، فإنه لم يقيّد بتذكُّره، بل أمر بتذكيره مطلقًا، وهو ظاهر مذهب الإمام البخاريّ في "صحيحه"، حيث قال: "باب هل يأخذ الإمام إذا شكّ يقول الناس؟ "، ثم أورد حديث قصّة ذي اليدين؛ احتجاجًا على ذلك، واللَّه تعالى أعلم.

20 - (ومنها): أنه استَنْبَط منه بعض العلماء القائلين بالرجوع إلى قول المأمومين اشتراط العدد في مثل هذا، وألحقوه بالشهادة، وفرّعوا عليه أن الحاكم إذا نسي حكمه، وشهد به شاهدان أنه يعتمد عليهما.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: في هذا الاستنباط نظرٌ، فتأمل.

21 - (ومنها): أنه استَدَلّ به الحنفية على أن الهلال لا يُقبَل بشهادة الآحاد، إذا كانت السماء مصحيةً، بل لا بدّ فيه من عدد الاستفاضة.

وتُعُقِّب بأن سبب الاستثبات كونه أخبر عن فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بخلاف رؤية الهلال، فإن الأبصار ليست متساوية في رؤيته، بل متفاوتة قطعًا.

22 - (ومنها): أن من سلّم معتقدًا أنه أتم، ثم طرأ عليه شكّ، هل أتمّ، أو نقص أنه يكتفي باعتقاده الأول، ولا يجب عليه الأخذ باليقين، ووجهه أن ذا اليدين لمّا أخبر أثار خبره شكًّا، ومع ذلك لم يرجع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى استثبت.

23 - (ومنها): أن البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- استَدلّ به على جواز تشبيك الأصابع في المسجد، وعلى أن الإمام يرجع لقول المأمومين إذا شك، وعلى جواز التعريف باللقب، وعلى الترجيح بكثرة الرواة.

وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المقصود كان تقوية الأمر المسؤول عنه، لا ترجيح خبر على خبر.

24 - (ومنها): أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أكما يقول ذو اليدين؟ " فيه جواز التلقيب بما لا يراد به الشين والعيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015