نظر لا يخفى، والذي ذكره في وجه الجمع ظاهر التكلُّف، فالذي يظهر أن ما رجحه ابن خزيمة، ومن تبعه هو الصواب؛ إذ لا تكلّف فيه، فتأمل، وسيأتي تمام الكلام عند ذكر كلام الحافظ العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المسائل -إن شاء اللَّه تعالى-.

(فَقَالَ) ذو اليدين (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أقصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ ) استفهام عن سبب تسليمه على رأس الركعتين (فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمِينًا وَشِمَالًا) وفي رواية أبي سفيان التالية: "فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كلُّ ذلك لم يكن، فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول اللَّه، فأقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الناس. . . "، وفي رواية البخاريّ: "لم أنس، ولم تُقصر".

قال في "الفتح": قوله: "لم أنسَ، ولم تُقصَر" كذا في أكثر الطرُق، وهو صريح في نفي النسيان، ونفي القصر، وفيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان، عن أبي هريرة: "كلُّ ذلك لم يكن"، وتأييد لما قاله أصحاب المعاني: إن لفظة "كلّ" إذا تقدّمت، وعَقَبَها النفي كان نفيًا لكلّ فرد، لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخرت، كأن يقول: لم يكن كلّ ذلك، ولهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله: "قد كان بعض ذلك"، وأجابه في رواية بقوله: "بلى قد نسيتَ"؛ لأنه لَمّا نَفَى الأمرين، وكان مقرّرًا عند الصحابة أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان، لا القصر.

وهو حجة لمن قال: إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع، وإن كان عياض نقيل الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية، وخَصّ الخلاف بالأفعال، لكنهم تعقبوه.

نعم اتَّفَق من جَوَّز ذلك على أنه لا يُقَرُّ عليه، بل يقع له بيان ذلك، إما متصلًا بالفعل، أو بعده، كما وقع في هذا الحديث من قوله: "لم أنسَ، ولم تُقصَر"، ثم تبيّن أنه نَسِيَ.

ومعنى قوله: "لم أنس"، أي في اعتقادي، لا في نفس الأمر، ويستفاد منه أن الاعتقاد عند فقد اليقين يقوم مقام اليقين، وفائدة جواز السهو في مثل هذا بيانُ الحكم الشرعي، إذا وقع مثله لغيره.

وأمّا من منع السهو مطلقًا، فأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015