"التنبيه" أنه قال: كان قصير اليدين، فكأنه ظن أنه حميد الطويل، فهو الذي فيه الخلاف.

والصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين، وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الْخِرْباق -بكسر المعجمة، وسكون الراء، بعدها موحّدة، وآخره قاف- اعتمادًا على ما وقع في حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنهما- عند مسلم، ولفظه: "فقام رجل، يقال له: الْخِرباق، وكان في يده طول"، وهذا صنيع من يُوَحِّدُ حديثَ أبي هريرة بحديث عمران، قال الحافظ: وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة، ومن تبعه جَنَحُوا إلى التعدد، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين، ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام إلى خشبة في المسجد، وفي حديث عمران أنه سلَّم من ثلاث ركعات، وأنه دخل منزله لمّا فرغ من الصلاة.

فأما الأول: فقد حَكَى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلّم في ابتداء الركعة الثالثة، واستبعده.

ولكن طريق الجمع يُكتفى فيها بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصّة، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كلّ مرّة استفهم النبيّ عن ذلك، واستفهم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الصحابةَ عن صحّة قوله.

وأما الثاني: فلعلّ الراوي لمّا رآه تقدَّم من مكانه إلى جهة الخشبة ظنّ أنه دخل منزله؛ لكون الخشبة كانت في جهة منزله، فإن كان كذلك، وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه، كما أخرجه الشافعيّ، وأبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه، كما أخرجه أبو بكر الأثرم، وعبد اللَّه بن أحمد في زيادات "المسند"، وأبو بكر بن أبي خيثمة، وغيرهم.

وقد ورد ما يدلّ على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما، وذلك أنه قال في آخر حديث أبي هريرة: "نُبِّئت أن عمران بن حُصَين قال: ثم سلّم". انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ببعض تصرف.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي رجحه الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى من دعوى الاتّحاد بين حديث أبي هريرة، وحديث عمران بن حُصَين -رضي اللَّه عنهم- فيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015