قال: ثم إن الحنفيّة لَمّا عجزوا عن جواب هذه الرواية اعترف بعضهم بعدم وجدان الجواب الشافي، وسعى بعضهم لإثبات الوهم فيها من الراوي، فقال النيموريّ، ومن تبعه أخذًا عن العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قوله: "بينما أنا أصلي" ليس بمحفوظ، ولعلّ بعض رواة الحديث فهم من قول أبي هريرة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "صلّى بنا" أنه كان حاضرًا، فروى هذا الحديث بالمعنى على ما زعمه، وقد أخرجه مسلم من خمس طرُق، فلفظه في طريقين: "صلّى بنا"، وفي طريق: "صلّى لنا"، وفي طريق: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى ركعتين"، وفي طريق: "بينما أنا أصلّي مع رسول اللَّه-صلى اللَّه عليه وسلم-"، تفرّد بها يحيى بن أبي كثير، وخالفه غير واحد من أصحاب أبي سلمة، وأبي هريرة، فكيف يُقبل أن أبا هريرة قال في هذا الخبر: "بينما أنا أصلِّي"؟ . انتهى.

قال المباركفوري -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح الترمذيّ" مجيبًا عن كلام النيموريّ هذا ما لفظه: قلت: يحيى بن أبي كثير ثقةٌ ثبت متقن، قال الحافظ في "مقدّمة الفتح": أحد الأئمة الثقات الإثبات، قال شعبة: حديثه أحسن من حديث الزهريّ، وقال في "تهذيب التهذيب": وقال عبد اللَّه بن أحمد، عن أبيه: يحيى بن أبي كثير من أثبت الناس، إنما يُعدّ مع الزهريّ، ويحيى بن سعيد، وإذا خالفه الزهريّ، فالقول قول يحيى. انتهى.

فكيف لا يُقبل ما تفرّد به مثلُ هذا الثقة الثبت الذي هو من أثبت الناس، وإذا خالفه الزهريّ فالقول قوله؟ فقول النيموريّ: قوله: "بينما أنا أصلي" غير محفوظ مردودٌ عليه.

والحاصل أن رواية مسلم وأحمد بلفظ: "بينما أنا أصلِّي" صحيحة محفوظة، وهي نصّ صريح في شُهود أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قصّة ذي اليدين، وليس لمن أنكر ذلك جواب شاف عن هذه الرواية. انتهى كلام المباركفوريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?). وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا.

(إِحْدَى صَلَاتَي الْعَشِيِّ) "الْعَشِيُّ" -بفتح العين المهملة، وكسر السين، وتشديد الياء- أصله من العِشَاء، وهي الظلمة، واختُلف في تحديد وقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015