لكن اتفق أئمة الحديث -كما نقله ابن عبد البرّ وغيره- على أن الزهريّ وَهمَ في ذلك، وسببه أنه جعل القصّة لذي الشمالين، وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر، وهو خُزَاعي، واسمه عُمَير بن عبد عمرو بن نَضْلَة، وأما ذو اليدين، فتأخر بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمدّة؛ لأنه حدّث بهذا الحديث بعد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما أخرجه الطبرانيّ وغيره، وهو سُلَميّ، واسمه الخرْبَاق، على ما سيأتي البحث فيه.
وقد وقع عند مسلم من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "فقام رجل من بني سُلَيم"، فلما وقع عند الزهريّ بلفظ: "فقام ذو الشمالين"، وهو يَعرِف أنه قُتِل ببدر، قال لأجل ذلك: إن القصّة وقعت قبل بدر.
وقد جوّز بعض الأئمة أن تكون القصّة وقعت لكلّ من ذي الشمالين، وذي اليدين، وأن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- رَوَى الحديثين، فأرسل إحداهما، وهي قصّة ذي الشمالين، وشَاهَدَ الأُخرى، وهي قصّة ذي اليدين، وهذا مُحتمل من طريق الجمع.
وقيل: يُحمَل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضا: ذو اليدين، وبالعكس، فكان ذلك سببًا للاشتباه.
ويَدْفَع المجاز الذي ارتكبه الطحاويّ ما رواه مسلم، وأحمد، وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ: "بينما أنا أصلي مع رسول اللَّه-صلى اللَّه عليه وسلم-".
وقد اتَّفَقَ معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين، ونصّ على ذلك الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "اختلاف الحديث".
وقال صاحب "المرعاة" بعد نقل ما تقدّم ما خلاصته: رواية أحمد، ومسلم، والبيهقيّ بلفظ: "بينما أنا أصلي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " نصّ صريح في حضور أبي هريرة قصّة ذي اليدين، وليس عند من ادّعى عدم حضوره عن هذه الرواية الصحيحة الصريحة جوابٌ شافٍ، وقد اعترف به صاحب "البحر الرائق"، من الحنفيّة، حيث قال: لم أجد جوابًا شافيًا عن هذه، وكذا اعترف صاحب "العرف الشذيّ" منهم أيضًا، حيث قال: ولكن الطحاويّ لم يُجِب عما في طريق مسلم عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "بينا أنا أصلي. . . إلخ".