وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ووجه الدلالة من حديث الباب أنه لو كان واجبًا لرجع إليه لَمّا سَبَّحُوا به بعد أن قام.

وقال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نَسِي تكبيرة الإحرام لم تُجْبَر، فكذلك التشهُّد، ولأنه ذِكْرٌ لا يُجْهَر به بحال، فلم يجب كدعاء الافتتاح.

واحتَجَّ غيره بتقريره -صلى اللَّه عليه وسلم- الناس على متابعته بعد أن عَلِمَ أنهم تعمدوا تركه، وفيه نظر.

وممن قال بوجوبه الليث، وإسحاق، وأحمد في المشهور، وهو قول للشافعيّ، وفي رواية عند الحنفية.

واحتَجَّ الطبري لوجوبه بأن الصلاة فُرِضت أوّلًا ركعتين، وكان التشهّد فيها واجبًا، فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلةً لذلك الواجب.

وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخيرتين، بل يَحْتَمِل أن يكونا هما الفرض الأول، والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدهما، ويؤيِّده استمرار السلام بعد التشهّد الأخير كما كان.

واحتَجَّ أيضًا بأن من تعمَّد ترك الجلوس الأول بطلت صلاته، وهذا لا يَرِدُ؛ لأن من لا يوجبه لا يبطل الصلاة بتركه. انتهى ما في "الفتح" ملخصًا.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الذي يترجَّح عندي ما ذهب إليه من قال بوجوب التشهّد الأول؛ للأمر به في حديث رفاعة بن رافع -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للمسيء صلاته: "فإذا جلست في وسط الصلاة، فاطمئنّ، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهّد"، رواه أبو داود، والأمر للوجوب، ولمواظبته -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه، ؤلحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "كنا نقول في الصلاة قبل أن يُفرض التشهّد. . . " الحديث، متّفقٌ عليه.

والحاصل أن التشهُّد الأول واجب كالأخير؛ للأدلّة المذكورة، فتبطل الصلاة بتركه عمدًا، ويسجد للسهو إن تركه سهوًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم فيمن نَسِيَ التشهد الأول:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه "الأوسط":

طور بواسطة نورين ميديا © 2015