ويَحْتَمِل أن لا يتعمد ذلك، بل يَحصُل له عند سماع الأذان شدّة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها. ويَحْتَمِل أن يتعمد ذلك، ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث.
واستُدِلَّ به على استحباب رفع الصوت بالأذان؛ لأن قوله: "حتى لا يسمع" ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت، وقد وقع بيان الغاية في رواية للمصنّف تقدّمت في "الأذان" من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، فقال: "حتى يكون مكان الرَّوْحَاء"، وحَكَى الأعمش عن أبي سفيان، راويه عن جابر أن بين المدينة والرَّوْحاء ستة وثلاثين ميلًا.
هذه رواية قتيبة، عن جرير، عند مسلم، وأخرجه عن إسحاق، عن جرير، ولم يسق لفظه، ولفظ إسحاق في مسنده: "حتى يكون بالرَّوْحاء، وهي ثلاثون ميلًا من المدينة"، فأدرجه في الخبر، والمعتمد رواية قتيبة. انتهى (?).
(فَإذَا قُضِيَ) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله قوله: (الْأَذَانُ) أي فُرغ منه، والقضاء يأتي لمعان كثيرة، فهو هنا بمعنى الفراغ، يقال: قضيت حاجتي، أي فرغت منها، وانتهيت من أمرها (أَقْبَلَ) أي توجه إلى المصلِّي حتى يُلَبّس عليه صلاته (فَإاذَا ثُوِّبَ بِهَا) -بضم المثلّثة، وتشديد الواو المكسورة، مبنيًّا للمفعول-: أي أُقيم للصلاة، والتثويب هنا بمعنى الإقامة.
ومعنى التثويب في الأصل: الإعلام بالشيء، والإنذار بوقوعه، وأصله أن يُلَوّح الرجل لصاحبه بثوبه، فيديره عند أمر يُرْهِقه من خوف، أو عدوّ، ثم كَثُر استعماله في كل إعلام يُجهَر به، وإنما سميت الإقامة تثويبًا؛ لأنه عَوْد إلى النداء، من ثاب إلى كذا: إذا عاد إليه. أفاده في "العمدة" (?).
(أَدْبَرَ) أي ولّى الشيطان حتى لا يسمع التثويب (فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ يَخْطُرُ) وفي نسخة: "حتى يَخْطِر"، وهو: -بضم الطاء وكسرها- لغتان، حكاهما القاضي عياض في "المشارق"، قال: ضبطناه عن المتقنين بالكسر، وسمعناه من أكثر الرواة بالضم، قال: والكسر هو الوجه، ومعناه: يوسوس،