الحقيقة ما ثَمَّ ضُراطٌ، ولكن يجوز أن يكون له ريحٌ؛ لأنه رُوحٌ، ولكن لم تُعْرَف كيفيته.
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: شُبِّهَ شَغْل الشيطان نفسَهُ عند سماع الأذان بالصوت الذي يملؤ السمعَ، ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضُرَاطًا تقبيحًا له انتهى (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله العينيّ، ونقله أيضًا عن الطيبيّ، من نفي حقيقة الضراط، وأن الكلام مجازٌ خرج مخرج التمثيل فقط، غير صحيح؛ لأنه من التعسّف، وتأويل النصّ دون حاجة، بل الصواب أن الضراط ثابت حقيقةً، كما أثبته هذا الحديث الصحيح، وأيُّ مانع يَمنع منه؟ ، حتى يُحرَّف النص الصريح عن ظاهره، فما سبق عن القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الحقّ، فتبصر بالإنصاف، واللَّه الهادي إلى الصواب.
(حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ) علّة للضُّراط، أي إنما يفعل ذلك ليَشْغَل نفسه عن سماع الأذان؛ لئلا يَشْهَد للمؤذن يوم القيامة، لما في حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "لا يَسْمَع مَدَى صوت المؤذِّن جنّ، ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلا شَهِدَ له يوم القيامة"، رواه البخاريّ، وهو داخل فيه، وقيل: حتى غاية لإدباره، قاله في "العمدة".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الوجه الأول أقرب إلى المعنى؛ إذ الظاهر في سبب هروبه عن الأذان، مع أنه لا يَهْرُب عن القرآن، وهو أفضل من الأذان: هو الابتعاد عن إلزامه الشهادة للمؤذن، كما دلّ عليه حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- المذكور، فيكون خروج الضُّراط منه حين هروبه من أجل خوفه، وُصُولَ صوت المؤذّن إليه خلال هُرُوبه، ودخوله في أذنه، فظهر كون قوله: "حتى لا يسمع" علة للضراط، واللَّه تعالى أعلم.
وقال في "الفتح": قوله: "حتى لا يسمع الأذان"، ظاهره أنه يتعَمَّد إخراج ذلك، إما لِيَشْتَغِل بسماع الصوت الذي يُخرِجه عن سماع المؤذن، أو يَصْنَع ذلك استخفافًا، كما يفعله السفهاء.