شرح الحديث:
(عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ) الطائيّ، أنه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ) أي حدّث أبا سلمة ومن معه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلي اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ) أي بألفاظ الأذان المعهودة (أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ) الإدبار: نقيض الإقبال، يقال: دَبَر النهار دُبُورًا، من باب قَعَد: إذا وَلَّى، وانصرَمَ (?)، وأدبر بالألف مثله، والألف واللام في "الشيطان" للعهد، والمراد الشيطان المعهود، قاله في "العمدة" (?).
وقال في "الفتح": الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس، ويَحْتَمِل أن المراد جنس الشيطان، وهو كل مُتَمَرِّد من الجنّ والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجنّ خاصة. انتهى (?).
(لَهُ ضُرَاطٌ) جملة في محل نصب على الحال من "الشيطان"، و"الضُّرَاط" -بالضم- اسم من ضَرِطَ يَضْرَطُ، من باب تَعِبَ، ضَرِطًا، مثل كَتِفٍ، فهو ضَرِطٌ، وضَرَطَ، ضَرْطًا، من باب ضَرَب لغةٌ، قاله في "المصباح"، وهو: ريحٌ له صوت، يَخْرُج من دُبُر الإنسان، وغيره. قاله في "المنهل" (?).
ثم إن خروج الضُّرَاط من الشيطان حقيقةٌ، كما قاله القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لأنه جسم يأكل ويشرب، كما جاء ذلك في الأخبار الصحيحة.
وقال العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا تمثيل لحال الشيطان عند هُرُوبه من سماع الأذان بحال من خَرَقه أمر عظيم، واعتراه خَطْبٌ جسيم، حتى لم يزل يَحْصُل له الضُّراط من شدّة ما هو فيه؛ لأن الواقع في شدّة عظيمة؛ من خوف، وغيره تسترخي مفاصله، ولا يَقْدِر على أن يَمْلِك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط.
ولما كان الشيطان لعنه اللَّه يعتريه شدة عظيمة، وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، فيهرُب حتى لا يسمع الأذان؛ شُبِّه حاله بحال ذلك الرجل، وأُثبت له على وجه الادّعاء الضُّراط الذي يَنشأ من كمال الخوف الشديد، وفي