وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يدٌ كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال اللَّه تعالى: يدٌ، وسمعٌ، وبصرٌ، ولا يقول: كيف، ولا يقول: مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهًا، وهو كما قال اللَّه تعالى في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. انتهى كلام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
فتبيّن بهذا أن مالكًا ممن أثبت نزول الربّ -عزَّ وجلَّ- إلى السماء الدنيا كلّ ليلة على ظاهره، فنقل التأويل عنه محلّ نظر، وعلى تقدير صحته، فجوابه جواب مجاهد فيما خالف فيه السلف في تفسير الآيتين السابقتين، كما قال ابن عبد البرّ.
والحاصل أن المعنى الصحيح الذي عليه السلف أن نزول الربّ -عزَّ وجلَّ- على ظاهره، فينزل كلّ ليلة، كما أخبر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك في الحديث الصحيح، حقيقةً لا مجازًا، نزولًا يليق بجلاله، واللَّه تعالى أعلم.
ولنعد إلى كلام أبي عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال: وقال آخرون: ينزل بذاته، ثم أخرج عن نعيم بن حمّاد قال: ينزل بذاته، وهو على كرسيّه.
قال أبو عمر: ليس هذا بشيء عند أهل الفهم، من أهل السنة؛ لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها؛ لأنها لا تصلح إلا فيما يُحاط به عيانًا، وقد جَلَّ اللَّه وتعالى عن ذلك، وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر، ولا خبر في صفات اللَّه إلا ما وَصَفَ نفسه به في كتابه، أو على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه، أو قياس، أو تمثيل، أو تنظير، فإنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
قال الجامع عفا اللَّه عنه: المنكر على حمّاد قوله: "بذاته"، فإنه لم يرد في الكتاب، ولا في السنة زيادة هذه اللفظة، فهي منكرة، واللَّه تعالى أعلم.
قال أبو عمر: أهل السنة مُجْمِعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلا أنهم لا يُكَيِّفون شيئًا من ذلك، ولا يَحُدُّون فيه صفةً محصورةً.
وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلُّها، والخوارج، فكلهم ينكرها،