وقد يَستَحْمِلون صريح الاسم؛ لمصلحة راجحة، وهي إزالة اللبس، أو الاشتراك، أو نفي المجاز، أو نحو ذلك، كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنِكْتَها"، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أدبر الشيطان وله ضرَاط"، وكقول أبي هريرة - رضي الله عنه -: "الحدث فُسَاءٌ أو ضُرَاطٌ"، ونظائر ذلك كثيرة، واستعمال أبي هريرة - رضي الله عنه - هنا لفظ الاست من هذا القبيل، والله تعالى أعلم، انتهى (?).

(فَقَالَ) عمر - رضي الله عنه - (ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ) قال القاضي عياض وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى: ليس فعلُ عمر - رضي الله عنهما -، ومراجعته النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اعتراضًا عليه، ولا ردًّا لأمره، وإنما كان ذلك سعيًا في استكشافٍ عن مصلحةٍ ظهرت له، لَمْ يُعارض بها حكمًا ولا شرعًا؛ إذ ليس فيما بعث به أبا هريرة - رضي الله عنه - غير تطييب قلوب الأمة وبُشْرَاهم، فرأى عمر - رضي الله عنه - أنّ كَتْمَ هذه البشرى أصلح لهم، وأحرى بهم لئلا يَتَّكِلُوا عليها، فتقلّ أعمالهم وأُجورهم، وأن ذلك أعوَد عليهم بالخير، من مُعَجَّل هذه البشرى، فلما عرضه على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صَوَّبَهُ فيه. والله تعالى أعلم (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: ولعلّ عمر - صلى الله عليه وسلم - قد كان سمع ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما سمعه معاذ - رضي الله عنه -، كما سبق في حديثه، فيكون ذلك تذكيرًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما قد سَمِعَ منه، ويكون سكوت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك تعديلًا على ما قد كان تعذّر لهم تبيانه لذلك، ويكون عمر - رضي الله عنه - لِمَا خصّه الله تعالى من الفطنة وحضور الذهن تذكّر ذلك، واستبلد أبا هريرة؛ إذ لَمْ يتفطّن لذلك، ولا تذكّره، فضربه تلك الضربةَ؛ تأديبًا وتذكيرًا انتهى، والله تعالى أعلم (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "ولعلّ عمر سمع ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلخ، فيه نظر لا يخفى؛ إذ السياق يأبى ذلك، فإنه لَمّا قال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عمر ما حملك على ما فعلتَ؟ "، أجابه بقوله: فإني أخشى أن يتّكل الناسُ عليها، ولو كان سمع ذلك منه، لَقال له: إنك قلت لمعاذ: "لا تبشّرهم، فيتكلوا"، وإنما الظاهر من حال عمر - رضي الله عنه - أن هذا مما أُلهمه، فإنه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015