المحدّثين، فقد أخرج البخاريّ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم مُحَدَّثُون، فإن يك في أمتي أحدٌ، فإنه عمر"، وفي رواية: "لقد كان فيمن كان قبلكم، من بني إسرائيل رجالٌ يُكَلَّمُون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحدٌ، فعمر".
وأخرج مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثُون، فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ، فإن عمر بن الخطاب منهم"، قال ابن وهب تفسير مُحَدَّثون مُلْهَمُون، والله تعالى أعلم.
(فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَجْهَشْتُ) - بالجيم والشين المعجمة - والهمزةُ والهاءُ مفتوحتان، أي تهيّأت له، وأخذتُ فيه، قاله القرطبيّ، وقال النوويّ: هكذا وقع في الأصول التي رأيناها، ورأيت في كتاب القاضي عياض رحمه الله تعالى: "فَجَهِشْتُ" بحذف الألف، وهما صحيحان، قال في "القاموس": جَهَشَ إليه، كسَمِعَ، ومَنَعَ جَهْشًا، وجُهُوشًا، وجَهَشَانًا: فَزِعَ إليه، وهو يريد البكاء، كالصبيّ يَفزَعُ إلى أمه، كأجهشَ، ومن الشيء جَهَشَانًا: خاف، أو هَرَبَ، انتهى (?).
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وهو أن يَفْزَع الإنسان إلى غيره، وهو متغير الوجه، مُتَهَيِّءٌ للبكاء، ولَمّا يَبْكِ بَعْدُ، وقال الطبريّ: هو الفزع والإستغاثة، وقال أبو زيد: جَهَشْتُ للبكاء والحزن والشوق، والله أعلم.
(بُكَاءً) منصوب على المفعول له، وقد جاء في رواية: "للبكاء"، و"الْبُكَاء" يُمَدُّ ويُقْصَر لغتان، قال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: بَكَى يبكي بُكًى، وبُكاءً بالقصر والمدّ، وقيل: القصر مع خروج الدموع، والمدّ على إرادة الصوت، وقد جَمَعَ الشاعرُ اللغتين، فقال [من الوافر]:
بَكَتْ عَيْنِي وَحَقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ
ويَتَعَدَّى بالهمزة، فيقال: أبكيته، ويقال: بَكَيتُهُ، وبَكَيتُ عليه، وبَكَيتُ لَهُ، انتهى (?).
(وَرَكِبَني عُمَرُ) أي تَبِعَني، ومَشَى خَلْفي في الحال، بلا مُهْلَة.