تَعِبَ لُقِيًّا، والأصل على فُعُولٍ، ولُقًى بالضمّ مع القصر، ولِقَاءً بالكسر مع المدّ والقصر، وكلُّ شيء اسْتَقْبَلَ شيئًا، أو صادفه، فقد لَقِيَهُ، ومنه لِقَاء البيت، وهو استقباله، قاله الفيّوميّ (?) (مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ) أي بعد هذا البستان (يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) جملة في محلّ نصب على الحال من المفعول، وكذا قوله (مُسْتَيْقِنًا بِهَا) أي عالِمًا بمعنى هذه الكلمة، يقال: يَقِنَ الأمرَ، كفَرِحَ يَقْنًا، وَيُحَرَّكُ، وأَيْقَنَهُ وَبِه، وتيقّنه، واستيقنه، وبه: عَلِمَهُ، وتحقَّقه، وهو يَقِنٌ، مَثلَّثَ القاف، قاله في "القاموس" (?)، وقال في "المصباح": اليَقِينُ: العلمُ الحاصل عن نظر واستدلال، ولهذا لا يُسمّى علم الله تعالى يَقِينًا، ويَقِنَ الأمرُ يَيْقَنُ يَقَنًا، من باب تَعِبَ: إذا ثبت ووضَحَ، فهو يَقِينٌ، فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، ويُستعمل متعدّيًا أيضًا بنفسه، وبالباء، فيقال: يَقِنْتُهُ، ويَقِنْتُ به، وأيقنتُ به، وتيقَّنتُهُ، واستيقنته: أي علمته، انتهى (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: اليقين: هو العلم الراسخ في القلب الثابت فيه، قال: وربّما عبّروا عن الظنّ باليقين، وباليقين عن الظنّ، قال الشاعر [من الطويل]:

تَحَسَّبَ هَوَّاسٌ وَأَيْقَنَ أَنَّنِي ... بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ وَاحِدٍ لَا أُغَامِرُهْ

يقول: تَشَمَّمَ الأسد ناقتي، يظنّ أنني أفتدي بها منه، وأتركها له، ولا أقاتله، قاله الجوهريّ، وقال غيره: اليقين هو السكون مع الوضوح، يقال: يَقِنَ الماءُ: أي سَكَنَ، وظهر ما تحته، انتهى (?).

وقوله: (قَلْبُهُ) مرفوع على الفاعليّة باسم الفاعل (فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) والمراد أنّ من كانت هذه صفته، فهو من أهل الجنّة، وإلا فأبو هريرة - رضي الله عنه - لا يعلم استيقان قلوبهم، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون النطق، ولا النطق دون الاعتقاد، بل لا بُدّ من الجمع بينهما، وقد تقدم إيضاحه في أول الباب، وذِكْرُ القلب هنا للتأكيد، ونفي توهم المجاز، وإلا فالاستيقان لا يكون إلَّا بالقلب (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015