أنس منه مرفوعًا: "جعلت لي كلُّ أرض طيبة مسجدًا، وطهورًا"، ومعنى "طيبة" طاهرة، فلو كان معنى طهورًا طاهرًا للزم تحصيل الحاصل.

6 - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء، لاشتراكهما في هذا الوصف، قال في "الفتح": وفيه نظرٌ. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ليس فيه نظرٌ معتبَرٌ، بل الحقّ كونه رافعًا كالماء، وقد تقدّم تحقيق هذا مستوفًى في "أبواب التيمّم"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

7 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "طهورًا" هذه البنية من أبنية المبالغة، كقتول، وضروب، وكذلك قال في الماء، فقد سوَّى بين الأرض والماء في ذلك، ويلزم منه أن التيمّم يرفع الحدث، وهو أحد القولين عن مالك، وليس بالمشهور. انتهى.

8 - (ومنها): أنه استُدِلَّ به على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، وقد أَكَّد ذلك في رواية أبي أمامة بقوله: "وجُعِلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدًا وطهورًا".

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وجُعِلت لي الأرضُ طيبةً طهورًا ومسجدًا"، وفي الرواية الأخرى: "وجُعلت تربتها لنا طهورًا"، احتج بالرواية الأولى مالك، وأبو حنيفة -رحمهما اللَّه تعالى- وغيرهما ممن يُجَوِّز التيمم بجميع أجزاء الأرض، واحتج بالثانية الشافعيّ، وأحمد -رحمهما اللَّه تعالى- وغيرهما ممن لا يُجَوِّز إلا بالتراب خاصّةً، وحَمَلوا ذلك المطلق على هذا المقيد. انتهى (?).

وردّ هذا بعض المحقّقين فقال: وقد ظنّ بعضهم أن هذا من باب المطلق والمقيّد، وهو غلطٌ، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، خلافًا لما حُكِي عن أبي ثور، إلا أن يكون له مفهوم، فينبني على تخصيص العموم بالمفهوم، والتراب والتُّربة لقب، واللقب مختَلَف في ثبوت المفهوم له، والأكثرون يأبَوْن ذلك. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015