وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الحديث حجة لمالك، في التيمّم بجميع أجزاء الأرض، فإن اسم الأرض يشملها، وكما أباح الصلاة على جميع أجزاء الأرض كذلك يجوز التيمّم على جميع أجزائها؛ لأن الأرض في هذا الحديث بالنسبة إلى الصلاة والتيمّم واحدةٌ، فكما تجوز الصلاة على جميع أجزائها كذلك يجوز التيمّم على جميع أجزائها.
قال: ولا يُظنّ أن قوله في حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-: "وجُعلت تربتها لنا طَهُورًا" مخصّص له، فإن ذلك ذُهول من قائله، فإن التخصيص إخراج ما تناوله العموم عن الحكم، ولم يُخرج هذا الخبر شيئًا، وإنما عَيَّنَ واحدًا مما تناوله الاسم الأول مع موافقته في الحكم، وصار بمثابة قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} الآية [البقرة: 98]، فعَيَّن بعض ما تناوله اللفظ الأول مع الموافقة في المعنى على جهة التشريف، وكذلك ذكر التراب في حديث حذيفة، وإنما عيّنه؛ لكونه أمكن وأغلب، فإن قيل: عيّنه ليبيّن أنه لا يجوز التيمّم بغيره، قلنا: لا نسلّم ذلك، بل هو أول المسألة، ولئن سلّمنا أنه يَحْتَمل ذلك، فيحتمِل أيضًا ما ذكرناه، وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر، فليُلحَق اللفظ بالمجملات، فلا يكون لكم فيه حجةٌ، ويبقى مالك متمسّكًا باسم الصعيد، واسم الأرض، وأيضًا فإنه نقول بموجبه، فإن تراب كلّ شيء بحسبه، فيقال: تراب الزرنيخ، وتراب السباخ. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
9 - (ومنها): ما خصّه اللَّه -عزَّ وجلَّ- نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الشفاعة، وأنها مقبولة لا محالة، كما وعده اللَّه تعالى: "قل تُسمَعْ، واشفع تُشَفَّع".
قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما الشفاعة التي اختُصّ بها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من بين الأنبياء، فليست الشفاعة في خروج العصاة من النار، فإن هذه الشفاعة يُشارك فيها الأنبياء والمؤمنون أيضًا، كما تواترت بذلك النصوص، وإنما الشفاعة التي يختصّ بها دون الأنبياء أربعة أنواع:
إحداها: شفاعته للخلق في فصل القضاء.