خاصّة؛ لكونها إلى قومه فقط، وهي عامّة في الصورة؛ لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتَّفَق وجود غيرهم لم يكن مبعوثًا إليهم.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن هذا الاحتمال الأخير أقرب الاحتمالات، وأظهرها؛ لموافقته لظاهر قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، ولآيات أخرى نصَّت على أن بعث نوح -عليه السلام- كان لقومه خاصّة، كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: 1]، وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] الآية، وقوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)} [الشعراء: 160 - 161] وغير ذلك من الآيات، وما عدا ذلك من الاحتمالات، فالتكلّف فيه ظاهرٌ، فتأمّله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم.

قال: وغَفَل الداوديّ الشارح غفلةً عظيمةً، فقال: قوله: "لم يُعْطَهُنّ أحدٌ" يعني لم تُجْمَع لأحد قبله؛ لأن نوحًا -عليه السلام- بُعِث إلى كافّة الناس، وأما الأربع فلم يُعْطَ أحدٌ واحدة منهنّ، وكأنه نظر في أول الحديث، وغَفَل عن آخره؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَصّ على خصوصيته بهذه أيضًا، لقوله: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصّة"، وفي رواية مسلم: "وكان كلُّ نبي. . . إلخ". انتهى (?).

ثم فصّل تلك الخمسة التي أجملها في قوله: "أُعطيتُ خمسًا إلخ"، فأشار إلى الخصوصيّة الأولى بقوله:

(كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ) بالبناء للمفعول، يقال: بَعَثْتُ رسولًا بَعْثًا: أوصلته، وابتعثته كذلك، وفي المطاوع: فانبعث، مثلُ كَسَرْتُهُ فانكَسَر، وكلُّ شيء يَنبَعِث بنفسه، فإن الفعل يتعدى إليه بنفسه، فيقال: بعثته، وكلُّ شيء لا ينبعث بنفسه، كالكتاب، والهدية، فإن الفعل يتعدى إليه بالباء، فيقال: بَعَثْتُ به، وأَوْجَزَ الفارابيّ، فقال: بَعَثَهُ: أي أَهَبَّهُ، وبَعَثَ به: وَجَّهَهُ. انتهى (?).

(إِلَى قوْمِهِ خَاصَّةً) قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الخاصّة: خلاف العامّة، والهاء للتأكيد، وعن الكسائيّ: الخاصّ، والخاصّة واحدٌ. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015