الخمس المذكورات، لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يُعْتَرَض بأن نوحًا -عليه السلام- كان مبعوثًا إلى أهل الأرض بعد الطوفان؛ لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنًا معه، وقد كان مرسلًا إليهم؛ لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنما اتَّفَق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك.
وأما قول أهل الموقِفِ لنوح -عليه السلام- كما صحّ في حديث الشفاعة: "أنت أول رسول إلى أهل الأرض"، فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادًا فهو مخصوص بتنصيصه -عزَّ وجلَّ- في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أُرسل إلى غيرهم.
واستَدَلَّ بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض، فأُههلكوا بالغَرَق، إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثًا إليهم لما أهلكوا؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقد ثبت أنه أول الرسل.
وأجيب: بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعَلِمَ نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه، ومن غيرهم فأجيب، وهذا جواب حَسَنٌ، لكن لم يُنقَل أنه نُبِّئ في زمن نوح غيره.
ويَحْتَمِل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يُبْعَث نبي في زمانه أو بعده، فينسخ بعض شريعته.
ويَحْتَمِل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس، فتَمَادَوا على الشرك، فاستَحَقُّوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير "سورة هود"، قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد؛ لطول مدته، ووجّهه ابن دقيق العيد: بأن توحيد اللَّه تعالى يجوز أن يكون عامّا في حقّ بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عامًّا؛ لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازمًا لهم لم يقاتلهم.
ويَحْتَمِل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح، فبعثته