[فإن قيل]: مفهوم الحديث يدلّ على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَختَصّ بغير الخمس المذكورة فيه، وهذا يعارضه ما جاء في أحاديث كثيرة تدلّ على الزيادة على هذه الخمس، ومنها حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الآتي هنا بعد حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-، بلفظ: "فُضِّلت على الأنبياء بست. . . "، فذكر أربعًا من هذه الخمس، وزاد اثنتين: "وأعطيت جوامع الكلم، وخُتم بي النبيّون".
ويُجاب بأن سياق الحديث لا يدلّ على الحصر، فلا ينافي ما دلّت عليه الأحاديث الأخرى من الخصوصيّات الزائدة على الخمس.
قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذه الخمس اختصّ بها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأنبياء، وليس في الحديث أنه لم يختصّ بغيرها، فإن هذه اللفظة لا تقتضي الحصر، وقد دلّت النصوص الصحيحة الكثيرة على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خُصّ عن الأنبياء بخصال كثيرة غير هذه الخمس. انتهى.
وقال في "الفتح": وطريق الجمع أن يقال: لعله اطَّلَع أوّلًا على بعض ما اختَصّ به، ثم اطَّلع على الباقي، ومن لا يَرَى مفهوم العدد حجةً يَدفع هذا الإشكال من أصله. انتهى.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله في حديث جابر -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُعطيتُ خمسًا"، وفي حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "ستًّا"، وفي حديث حُذيفة: "ثلاثًا"، لا يظُنّ القاصد أن هذا تعارض، وإنما يَظُنّ هذا من توهّم أن ذكر الأعداد يدلّ على الحصر، وأنها لها دليلُ خطاب، وكلُّ ذلك باطلٌ، فإن القائل: عندي خمسة دنانير مثلًا لا يدلّ هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول تارةً أخرى: عندي عشرون، وتارة أخرى: عندي ثلاثون، فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين، وعشرةً، فلا تناقض ولا تعارض.
ويجوز أن يكون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُعلم في وقت بالثلاث، وفي وقت بالخمس، وفي وقت بالستّ. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?)، وهو بحث نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من