[ومنها]: أنه لا يجوز دخولها لغير أصحاب الحوائج المتكررة إلا بإحرام، عند بعض أهل العلم، ويُروى عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، والراجح أنه لا يجب ذلك إلا لمريد الحجّ أو العمرة، وسيأتي تمام البحث في ذلك في "كتاب الحجّ" -إن شاء اللَّه تعالى-.
[ومنها]: أنه يعاقب فيه على الهمّ بالسيئات، وإن لم يفعلها، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
قال الإمام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فتأمل كيف عَدَّى فعل الإرادة هنا بالباء، ولا يقال: أردت بكذا إلا لما ضُمِّن معنى فِعْلِ هَمّ، فإنه يقال: هممت بكذا، فتوعد مَن هَمَّ بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الأليم. انتهى.
[ومنها]: تضاعف مقادير السيئات فيه، لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن السيئة كبيرةٌ، وجزاؤها مثلها، والصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم اللَّه وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طَرَف من أطراف الأرض، ولهذا ليس مَن عَصَى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، قاله ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
[ومنها]: أنه قد ظهر معمر هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الأفئدة، وهَوَى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد، فهو الأولى بقول القائل [من الوافر]:
مَحَاسِنُهُ هَيُولَى كُلِّ حُسْنٍ ... وَمَغْنَاطِيسُ أَفْئِدَةِ الرِّجَالِ
ولهذا أخبر اللَّه -عزَّ وجلَّ- أنه مثابة للناس، أي يثوبون إليه على تعاقب الأعوام، من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وَطَرًا، بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقًا، كما قال [من البسيط]:
لَا يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْهَا حِينَ يَنْظُرُهَا ... حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاقَا
فللَّه كم لها من قتيل، وسَليب، وجريح، وكم أُنفق في حبها من الأموال، والأرواح، ورَضِي المحبّ بمفارقة فِلَذِ الأكباد (?)، والأهل، والأحباب، والأوطان، مقدِّمًا بين يديه أنواع المخاوف، والمتالف،