قال الحافظ: وقد مَشَى ابن حبان في "صحيحه" على ظاهر هذا الحديث، فقال: في هذا الخبر ردٌّ على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة، ولو كان كما قال: لكان بينهما أربعون سنةً، وهذا عين المحال؛ لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم -عليه السلام- البيت، وبين موسى -عليه السلام-، ثم إن في نصّ القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة.
وقد تعقب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به ابن الجوزيّ.
وقال الخطابيّ: يُشبه أن يكون المسجد الأقصى أوّلُ ما وَضَع بناءه بعض أولياء اللَّه قبل داود وسليمان، ثم داود وسليمان، فزادا فيه ووسعاه، فأضيف إليهما بناؤه، قال: وقد يُنسب هذا المسجد إلى إيلياء، فَيَحْتَمِل أن يكون هو بانيه أو غيره، ولست أُحَقِّق لِمَ أضيف إليه.
قال الحافظ: الاحتمال الذي ذكره أوّلًا مُوَجَّهٌ، وقد رأيت لغيره أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم -عليه السلام-، وقيل: الملائكة، وقيل: سام بن نوح -عليه السلام-، وقيل: يعقوب -عليه السلام-، فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدًا، كما وقع في الكعبة، وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلًا وتأسيسًا، ومن داود تجديدًا لذلك، وابتداءَ بناء، فلم يَكْمُل على يده حتى أكمله سليمان -عليه السلام-.
لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزيّ أوجه.
قال: وقد وجدت ما يَشْهَد له، ويؤيد قولَ مَن قال: إن آدم هو الذي أسس كلًّا من المسجدين، فذكر ابن هشام في "كتاب التيجان" أن آدم لما بني الكعبة أمره اللَّه بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه فبناه، ونسك فيه، وبناء آدم للبيت مشهور.
وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: "لَمّا كان زمن الطوفان رُفِع البيتُ، وكان الأنبياءُ يحجّونه، ولا يعلمون مكانه، حتى بوّأه اللَّه لإبراهيم، وأعلمه مكانه".
وروى البيهقيّ في "الدلائل" من طريق أخرى عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا: "بَعَثَ اللَّه جبريل إلى آدم، فأمره ببناء البيت، فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به، وقيل له: أنت أوّل الناس، وهذا أولُ بيت وُضع للناس".