عن الإضافة، ونيّة معناها، كـ "قبلُ"، و"بعد"، قال في "الخلاصة":
وَاضْمُمْ بِنَاءً "غَيْرًا" انْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِيًا مَا عُدِمَا
"قَبْلُ" كَـ "غَيْرُ" "بَعْدُ" "حَسْبُ" "أَوَّلُ" ... وَ"دُونُ" وَالْجِهَاتُ أَيْضًا وَ"عَلُ"
وَأَعْرَبُوا نَصْبًا إِذَا مَا نُكِّرَا ... "قَبْلًا" وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا
وفي بعض النسخ بلفظ: "أَوَّلًا" فيكون منصوبًا على الظرفيّة متعلّقًا بـ "وُضِعَ".
وقال في "المرعاة": قوله: "أوَّلُ" بضم اللام، وهي ضمة بناء؛ لقطعه عن الإضافة مثل "قبل"، و"بعد"، قال أبو البقاء: وهو الوجه، والتقدير: أوّلُ كلِّ شيءٍ، ويجوز النصب مصروفًا، وغير مصروف؛ لوزن الفعل والوصفيّة، نحو قوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 42]. انتهى بتصرّف (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد نظم بعضهم ضابطَ "أوّلُ"، فقال [من الطويل]:
إِذَا "أَوَّلٌ" قَدْ جَاءَ مَعْنَاهُ أَسْبَقُ ... فَمَنْعُ انْصِرَافٍ فِيهِ أَمْرٌ مُحَتَّمُ
لِوَصْفٍ وَوَزْنِ الْفِعْلِ فِيهِ أَيَا فَتَى ... فَكُنْ حَافِظًا لِلْعِلْمِ تَحْظَى وَتَغْنَمُ
وَمَا جَاءَ ظَرْفًا مِثْلُ "قَبْلٍ" فَذَا لَهُ ... كَـ "قَبْلُ" مِنَ الأَحْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ") بالرفع على أنه مبتدأ حُذف خبره؛ لدلالة السؤال عليه، أي المسجدُ الحرامُ وُضِع أوّلًا، ويحتمل أن يكون نائب فاعل لفعل محذوف، دلّ عليه السؤال أيضًا، أي وُضِعَ المسجد الحرام أوّلًا، قال أبو ذرّ -رضي اللَّه عنه- (قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ ) يجوز تنوينه؛ لأن التنوين عوض عن المضاف إليه، وتركه بنيّة المضاف إليه، أي ثمّ أيُّ مسجد وُضع بعده، وقد تقدم البحث في هذا مستوفًى في شرح حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "أي العمل أحبّ إلى اللَّه".
قال في "الفتح": وهذا الحديث يفسّر المراد بقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} الآية [آل عمران: 96]، ويدلّ على أن المراد بالبيت بيت العبادة، لا مطلق البيوت، وقد ورد صريحًا عن عليّ -رضي اللَّه عنه-، أخرجه إسحاق ابن راهويه، وابن أبي حاتم، وغيرهما بإسناد صحيح عنه، قال: "كانت البيوت قبله، ولكنه كان أوّل بيت وُضع لعبادة اللَّه". انتهى (?).