على التنزيه، وعن أحمد: لا تصح صلاةُ مَن قدر على ذلك فتركه، وعنه أيضًا تصحّ صلاته، ويأثم.
وغَفَل الكرمانيّ عن مذهب أحمد، فادَّعى الإجماع على جواز ترك جعل طرف الثوب على العاتق، وجعله صارفًا للنهي عن التحريم إلى الكراهة، وقد نَقَل ابن المنذر عن محمد بن عليّ عدم الجواز، وكلام الترمذيّ يدل على ثبوت الخلاف أيضًا، وعَقَد الطحاويّ له بابًا في "شرح معاني الآثار"، ونَقَل المنع عن ابن عمر، ثم عن طاوس، والنخعيّ، ونقله غيره عن ابن وهب، وابن جرير.
وجمع الطحاوي بين الأحاديث بأن الأصل أن يصلي مشتملًا، فإن ضاق اتّزر.
ونقل الشيخ تقي الدين السبكيّ وجوب ذلك عن الشافعيّ، واختاره، قال الحافظ: لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه.
واستَدَلَّ الخطابي على عدم الوجوب بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه، وهي نائمة، قال: ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به، ويفضل منه ما كان لعاتقه، قال الحافظ: وفيما قاله نظر لا يخفى.
قال الشوكانيّ: إذا تقرّر لك عدم صحة الإجماع الذي جعله الكرمانيّ صارفًا للنهي، فالواجب الجزم بمعناه الحقيقيّ، وهو تحريم ترك جعل طرف الثوب الواحد حال الصلاة على العاتق، والجزم بوجوبه، مع المخالفة بين طرفيه لحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- المتقدّم: "إذا صلّى أحدكم في ثوب، فليُخالف بطرفيه على عاتقيه"، حتى ينتهض دليل يصلح للصرف.
ولكن هذا في الثوب إذا كان واسعًا جمعًا بين الأحاديث كما صرّح بذلك في حديث جابر -رضي اللَّه عنه-: "فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيّقًا، فاتّزر به".
وقد عَمِل بظاهر الحديث ابن حزم، فقال: وفرضٌ على الرجل إن صلى في ثوب واسع أن يَطْرَح منه على عاتقه أو عاتقيه، فإن لم يفعل بطلت صلاته، فإن كان ضَيِّقًا اتَّزر به، وأجزأه، سواءٌ كان معه ثياب غيره، أو لم يكن، ثم ذَكَرَ ذلك عن نافع مولى ابن عمر، والنخعيّ، وطاوس. انتهى كلام الشوكانيّ ببعض تصرّف.