عبد البرّ: التخفيف لكل إمام أمر مُجْمَعٌ عليه، مندوب عند العلماء إليه، وقال أيضًا: لا أعلم بين أهل العلم خلافًا في استحباب التخفيف لكل من أمّ قومًا على ما شرطنا من الائتمام بأقل ما يُجزئ، وساق الكلام على ذلك، وكأن الترمذيّ توهم الخلاف في ذلك من قول ابن أبي شيبة في "مصنفه" في التبويب: "التخفيفُ في الصلاة"، "من كان يُخَفِّفها"، وليس ذلك صريحًا في وجود خلاف، ولم يبوّب ابن أبي شيبة على التطويل المقابل للتخفيف، ولو كان ثَمّ قائل به لَبَوَّب عليه، وذكره.
وقد رَوَى ابن أبي شيبة في الباب المذكور، عن ثابت البنانيّ قال: صلّيت مع أنس -رضي اللَّه عنه- العَتَمَة، فتجوَّز ما شاء اللَّه، وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: كان أبي إذا صلّى في المسجد خَفَّف الركوع والسجود، وتجوَّز، وإذا صلّى في بيته أطال الركوع والسجود والصلاة، فقلت له؟ ، فقال: إنا أئمة يُقْتَدَى بنا، وعن أبي رجاء، وهو العطارديّ قال: رأيت الزبير بن العوّام صلّى صلاةً خفيفةً، فقلت: أنتم أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخفّ الناس صلاةً، فقال: إنا نُبادر هذا الوسواس، وعن عمار بن ياسر، أنه قال: احذفوا هذه الصلاة قبل وسوسة الشيطان.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: تخفيف الصلاة من أجل مبادرة الوسواس يحتاج إلى دليل، فليُتنبّه، واللَّه تعالى أعلم
وعن حذيفة أنه عَلَّمَ رجلًا، فقال: إن الرجل ليخفف الصلاة، ويُتِمُّ الركوع والسجود، وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، قال: رأيت أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- صلّى صلاةً تجوّز فيها، فقلت له: هكذا كانت صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: نعم، وأجوز، وعن عمرو بن ميمون: لَمّا طُعِن عمر، وماج الناس تقدم عبد الرحمن بن عوف، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}، وعن إبراهيم النخعيّ أنه كان يخفف الصلاة، ويتمّ الركوع والسجود، وعن أبي مِجْلَزٍ قال: كانوا يُتِمّون، ويوجزون، ويبادرون الوسوسة.
قال الجامع: مبادرة الوسوسة محلّ نظر، كما أسلفته آنفًا، فليُتنبّه.
وعن عمرو بن ميمون، قال: ما رأيت الصلاة في موضع أخفّ منها فيما