أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلَّا المكتوبة"، فليس بجيِّد؛ لأن حاصله النهي عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت، من غير تَعَرُّض لنية فرض أو نفل، ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلّي الثانية بقومه؛ لأنها ليست حينئذ فرضًا له.
قال: وكذلك قول بعض أصحابنا: لا يُظَنّ بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة، في المسجد الذي هو من أفضل المساجد، فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح، لكن للمخالف أن يقول: إذا كان ذلك بأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع.
وكذلك قول الخطابيّ: إن العشاء في قوله: "كان يصلي مع النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- العشاء" حقيقة في المفروضة، فلا يقال: كان ينوي بها التطوع؛ لأن لمخالفه أن يقول: هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل.
وأما قول ابن حزم: إن المخالفين لا يُجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصلّيه متطوعًا، فكيف ينسبون إلى معاذ ما لا يَجُوزُ عندهم؟ فهذا إن كان كما قال نقضٌ قويّ، وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة.
وأما قول الطحاويّ: لا حجة فيها؛ لأنَّها لَمْ تكن بأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا تقريره.
فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأي الصحابيّ إذا لَمْ يخالفه غيره حجةٌ، والواقع هنا كذلك، فإن الذين كان يصلّي بهم معاذ كلهم صحابة، وفيهم ثلاثون عَقَبيًّا، وأربعون بَدْرِيًّا، قاله ابن حزم، قال: ولا يُحْفَظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك، بل قال معهم بالجواز: عُمر، وابن عمر، وأبو الدرداء، وأنس، وغيرهم.
وأما قول الطحاويّ: لو سَلَّمنا جميع ذلك لَمْ يكن فيه حجة؛ لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة فيه تُصَلَّى مرّتين، أي فيكون منسوخًا.
فقد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ بالاحتمال، وهو لا يسوغ، وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادّعاه من إعادة الفريضة. انتهى.
قال الحافظ: وكأنه لم يقف على كتابه، فإنه قد ساق فيه دليل ذلك،