أصحاب جابر، لم يذكروا السلام، وكأنه فَهِمَ أن هذه اللفظة تدلّ على أن الرجل قطع الصلاة؛ لأن السلام يُتَحَلَّل به من الصلاة، وسائرُ الروايات تدلّ على أنه قَطَع القُدْوة فقط، ولم يَخْرُج من الصلاة، بل استَمَرّ فيها منفردًا.
قال الرافعيّ في "شرح المسند" -في الكلام على رواية الشافعيّ عن ابن عيينة في هذا الحديث: "فتَنَحَّى رجلٌ مِن خَلْفِه، فصلَّى وحده"-: هذا يَحْتَمِل من جهة اللفظ أنه قَطَع الصلاة، وتَنَحَّى عن موضع صلاته، واستأنفها لنفسه، لكنه غير محمول عليه؛ لأن الفرض لا يُقْطَع بعد الشروع فيه. انتهى.
ولهذا استَدَلّ به الشافعية، على أن للمأموم أن يقطع القُدْوة، ويُتِمّ صلاته منفردًا.
ونازع النوويّ فيه، فقال: لا دلالة فيه؛ لأنه ليس فيه أنه فارقه، وبنى على صلاته، بل في الرواية التي فيها أنه سَلَّم دليلٌ على أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها، فيدُلّ على جواز قطع الصلاة، وإبطالها لعذر (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن ما قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الأرجح؛ لوضوح حجته، وهو الذي مال إليه النسائيّ حيث بوّب بقوله: "خروجُ الرجل من صلاة الإمام، وفراغُهُ من صلاته في ناحية المسجد"، ثم أورد حديث الباب، وفيه: "فانصرف الرجل، فصلّى في ناحية المسجد"، وهو ظاهر في كونه قطع الصلاة، واستأنفها لنفسه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
(فَقَالُوا) أي أصحاب معاذ (لَهُ) أي لذلك الرجل الذي قطع الائتمام به، وصلّى منفردًا (أَنَافَقْتَ) أي أصرت منافقًا، أو شابهتهم؟ وأصل النفاق مشتق من النّفَق، بفتحتين، وهو سَرَبٌ في الأرض، يكون له مخرجٌ من موضع آخر، يقال: نافق الْيَرْبُوعُ: إذا أَتَى النافِقَاء، ومنه قيل: نافق الرجلُ: إذا أظهر الإسلام لأهله، وأضمر غير الإسلام، وأتاه مع أهله، فقد خرج منه بذلك، ومحل النفاق القلبُ، قاله الفيّوميّ (?).
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أنافقت": أي فعلتَ ما يفعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة، والتخفيف في الصلاة، كما وصفهم اللَّه تعالى