ويَحْتَمل أن يكون النهي أَوّلًا وَقَع لما يُخشَى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لما اطمأنّت نفوسهم بالإسلام، ظَنّ أن المانع زال، فقرأ بـ "اقتربت"؛ لأنه سمع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في المغرب بـ "الطور"، فصادف صاحب الشغل.
وجَمَع النوويّ باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بـ "البقرة"، فانصرف رجل، ثم قرأ "اقتربت" في الثانية فانصرف آخر.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن ما جَمع به النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أظهر، وأقرب، وحاصله أن الواقعتين حصلتا قبل أن ينهاه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم لَمّا رفع الرجلان في وقت واحد، أو متقارب، نهاه -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن التطويل، وأمره بقراءة السور التي ذكرها له؛ وأما الحمل على التعدّد مع تخلّل النهي له فبعيد؛ لأن معاذًا -رضي اللَّه عنه- من أفقه الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فلا يُظنّ به أن يخالف ما أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- من القراءة بالسور التي ذكرها، أو نحوها، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
ووقع في رواية أبي الزبير التالية للمصنّف: "فانطلق رجلٌ منّا"، وهذا يَدُلّ على أنه كان من بني سَلِمة، ويُقَوي رواية من سماه سُلَيمًا، قاله الحافظ.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لَمْ يظهر لي وجه التقوية على تسميته سليمًا، فلا مناسبة بين كونه من بني سلمة وتسميته سُليمًا، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
(فَسَلَّمَ) أي تسليم الخروج من الصلاة (ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ) أي استأنف الصلاة بعد قطعها بالسلام، وأتمّها منفردًا، هذا هو الظاهر الذي يدلّ عليه قوله: "فسلّم"، فلا يكون حجة لمن قال: إنه فارق بالنيّة، وأتمّ بلا استئناف؛ لأن التسليم ينافي ذلك، لكن لو قيل: إذا كان قطع الصلاة، واستئنافها جائزًا، فالمفارقة بالنيّة، وإكمالها منفردًا يجوز من باب أولى لا يبعد، واللَّه تعالى أعلم.
(وَانْصَرَفَ) أي خرج من المسجد إلى بيته، أو إلى محلّ حاجته، ووقع في رواية سَلِيم بن حَيّان: "فتَجوَّز رجل، فصلّى صلاة خفيفةً".
ثم إن رواية المصنّف ظاهرة في أنه قَطَع الصلاة، لكن ذكر البيهقيّ أن محمد بن عَبّاد شيخ مسلم، تفرد عن ابن عيينة بقوله: "ثم سَلَّم"، وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة، وكذا مِن أصحاب شيخه عمرو بن دينار، وكذا من