وهو يريد أن يَسْقِي نخله. . . "، الحديث، كذا فيه براء بعدها ألف، وظن بعضهم أنه حَرَام بن مِلْحان، خالُ أنس، وبذلك جزم الخطيب في "المبهمات"، قال الحافظ: لكن لَمْ أره منسوبًا في الرواية، ويَحْتَمِل أن يكون تصحيفًا من حَزْم، فتجتمع هذه الروايات، وإلى ذلك يومئ صنيع ابن عبد البرّ، فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أُبَيّ بن كعب، وذكر له هذه القصة، وعزا تسميته لرواية عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس، ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه، وكأنه بَنَى على أن اسمه تصحَّف، والأب واحد، سماه جابر، ولم يسمه أنس.
وجاء في تسميته قول آخر، أخرجه أحمد أيضًا، من رواية مُعاذ بن رِفاعة، عن رجل من بني سَلِمة، يقال له: سُليم، أنه أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "يا نبي اللَّه إنّا نَظَلّ في أعمالنا، فنأتي حين نُمسِي، فنصلّي، فيأتي معاذ بن جبل، فينادى بالصلاة، فنأتيه، فيطوّل علينا. . . " الحديث، وفيه أنه استُشْهِد بأُحد، وهذا مرسلٌ؛ لأن معاذ بن رِفاعة لَمْ يدركه.
وقد رواه الطحاويّ، والطبرانيّ، من هذا الوجه، عن معاذ بن رِفاعة، أن رجلًا من بني سَلِمة، فذكره مرسلًا.
ورواه البزار، من وجه آخر، عن جابر، وسَمّاه سُليمًا أيضًا، لكن وقع عند ابن حزم من هذا الوجه، أن اسمه سَلْم -بفتح أوله، وسكون اللام- وكأنه تصحيف، واللَّه تعالى أعلم.
وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأَيَّد ذلك بالاختلاف في الصلاة، هل هي العشاء، أو المغرب؟ وبالاختلاف في السورة، هل هي "البقرة"، أو "اقتربت"؟ وبالاختلاف في عُذْر الرجل، هل هو لأجل التطويل فقط؛ لكونه جاء من العمل، وهو تَعْبَان، أو لكونه أراد أن يَسْقِي نخله إذ ذاك، أو لكونه خاف على الماء في النخل، كما في حديث بُريدة؟ .
واستشكل هذا الجمع؛ لأنه لا يُظَنّ بمعاذ -رضي اللَّه عنه- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمره بالتخفيف، ثم يعود إلى التطويل.
ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أَوّلًا بالبقرة، فلما نهاه قرأ "اقتربت"، وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها، كما سيأتي.