وقال القرطبيّ: سمّي عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام -، روح الله؛ لأنه حَدَثَ عن نفخة الملك، وإضافته إلى الله تعالى؛ لأن ذلك النفخ كان عن أمره وقدره، وسُمّي النفخ روحًا؛ لأنه ريح يخرُج من الروح، وقيل: سُمّي بذلك؛ لأنه روح لمن اتّبعه، وقيل: لأنه تعالى خَلَقَ فيه الروح من غير واسطة أب، كما قال تعالى في آدم - عَلَيْهِ السَّلَام -: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29].
[فائدة]: ذكر الطيبيّ أنه روي أن عظيمًا من النصارى سمع قارئًا يقرأ {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، قال: أفغير هذا دين النصارى؟ يعني هذا يدلّ على أن عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام - بعض منه، فأجاب علي بن الحسين بن واقد صاحب "كتاب النظائر": أن الله تعالى يقول أيضًا: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، فلو أريد بقوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] بعض منه، وجزءٌ منه لكان قوله هنا: {جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] معناه بعض منه، أو جزء منه، فأسلم النصرانيّ.
ومعنى الآية أنه تعالى سخّر هذه الأشياء كائنةً منه، وحاصلةً من عنده، يعني أنه مكوّنها، ومُوجِدها بقدرته وحكمته، ثم سخّرها لخلقه. انتهى (?).
(وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ) أي الجَنَّة التي أخبر بها الله تعالى في كتابه أنه أعدّها للمتّقين، فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران: 133]، وقال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 21] حقّ، أي ثابتة لا شكّ فيها، (وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ)، أي: وأن النار التي أخبر بها في كتابه أنه أعدّها للكافرين، فقال: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24]، كذلك ثابتةٌ.
وقال الطيبي رحمه الله تعالى: لعله - صلى الله عليه وسلم - إنما ذكر الجنّة والنار، وأخبر عنهما بقوله: "حقّ"، وهو مصدرٌ للمبالغة في حقّيّته، وأنهما عين الحق، كقولك: زيد عَدْلٌ؛ تعريضًا بالزنادقة، ومن يُنكر دار الثواب ودار العقاب. انتهى (?).