نعم حديث رافع الذي تقدم في المواقيت أنهم كانوا يَنْتَضِلون بعد صلاة المغرب، يدُلّ على تخفيف القراءة فيها.
قال: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أحيانًا يطيل القراءة في المغرب، إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم -رضي اللَّه عنه- دليل على أن ذلك تكرر منه.
وأما حديث زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- (?)، ففيه إشعار بذلك؛ لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- واظب على ذلك لاحتج به على زيد، لكن لم يُرِد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك، كما رآه من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وفي حديث أم الفضل -رضي اللَّه عنهما- إشعار بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ في الصحة بأطول من {وَالْمُرْسَلَاتِ}؛ لكونه كان في حال شدّة مرضه، وهو مظنة التخفيف.
قال: وهو يَرُدّ على أبي داود ادّعاء نسخ التطويل؛ لأنه رَوَى عقب حديث زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار، قال: وهذا يدل على نسخ حديث زيد -رضي اللَّه عنه-، ولم يبيّن وجه الدلالة، وكأنه لَمّا رأى عروة راوي الخبر عَمِل بخلافه حمله على أنه اطّلَع على ناسخه، ولا يخفى بُعْدُ هذا الحمل، وكيف تصح دعوى النسخ، وأم الفضل تقول: إن آخر صلاة صلّاها بهم قرأ بـ {وَالْمُرْسَلَاتِ}؟ .
قال ابن خزيمة في "صحيحه": هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلّي أن يقرأ في المغرب، وفي الصلوات كلها بما أحبّ، إلَّا أنه إذا كان إمامًا استُحِبّ له أن يُخفِّف في القراءة، كما تقدم. انتهى.
قال الحافظ: وهذا أولى من قول القرطبيّ: ما ورد في مسلم وغيره من تطويل القراءة فيما استَقَرّ عليه التقصير أو عكسه، فهو متروكٌ. انتهى (?).