قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما أحسن كلام الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا، فهو عين التحقيق، والبحث العميق، فكلّ ما صحّ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأه في صلاته فلنا أن نَتَّبِعه في ذلك طال أم قصُر، فإن كانت قراءته بالاستمرار، كقراءته سورتي السجدة والإنسان في حبح الجمعة، فنستمرّ عليه، وإن كانت قراءته أحيانًا، مثل ما ذكر في أحاديث هذا الباب، فنعمل به أحيانًا، مع مراعاة حال المؤمنين، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في الجمع بين الروايات المختلفة في قراءة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة:

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الفتح": الأحاديث التي ذكرها البخاريّ في القراءة هنا ثلاثة، مختلفة المقادير؛ لأن "الأعراف" من السبع الطِّوال، و"الطور" من طوال المفصِّل، و"المرسلات" من أوساطه، وفي ابن حبان من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه قرأ بهم في المغرب بـ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.

قال: ولم أر حديثًا مرفوعًا فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصَّل إلَّا حديثًا في ابن ماجه، عن ابن عمر، نَصَّ فيه على "الكافرون" و"الإخلاص"، ومثله لابن حبان، عن جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنهما-.

فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة، إلَّا أنه معلولٌ، قال الدارقطنيّ: أخطأ فيه بعض رواته.

وأما حديث جابر بن سمرة، ففيه سعيد بن سِمَاك، وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب.

قال: واعتَمَد بعض أصحابنا -يعني الشافعيّة- وغيرهم حديث سليمان بن يسار، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فلان، قال سليمان: فكان يقرأ في الصبح بطِوَال المفصَّل، وفي المغرب بقصار المفصل. . . الحديث، أخرجه النسائيّ، وصححه ابن خزيمة وغيره، وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك، لكن في الاستدلال به نظر (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015