عن الكلمة التي قال له: {كُنْ} البقرة: 117، فكان، والروح التي أرسل بها هو جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام -، وكانت تلك النفخة التي نَفَخَها في جيب دِرْعها، فَنَزَلت حتى وَلَجَت فرجها بِمَنْزِلة لقاح الأب والأم، والجميع مخلوق لله - عَزَّ وَجَلَّ -، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله، وروح منه؛ لأنه لَمْ يكن له أبُ تَوَلَّدَ منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان، والروحِ التي أَرسل بها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام -.
قال: وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطيّ، قال: سمعت شاذ بن يحيى، يقول في قول الله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، قال: ليس الكلمةُ صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى، قال ابن كثير: وهذا أحسن مما ادّعاه ابن جرير في قوله: {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: 171]: أي أعلمها بها، كما زعمه في قوله: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [آل عمران: 45]: أي يُعْلمك بكلمة منه، ويَجْعَلُ ذلك كقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86]، بل الصحيح أنَّها الكلمة التي جاء بها جبريل إلى مريم، فَنَفَخَ فيها بإذن الله، فكان عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام -.
قال: فقوله في الآية والحديث: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]: أي من خلقه، ومن عنده، وليست "من" للتبعيض، كما تقوله النصارى - عليهم لعائن الله المتتابعة بل هي لابتداء الغاية، كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]: أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول، وهو أنه مخلوق من رُوح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة، والبيت إلى الله في قوله: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف: 73]، وفي قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26]، وكما وَرَدَ في الحديث الصحيح: "فأدخل على ربي في داره"، أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد، ونمط واحد (?). انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى، وهو تحقيقٌ نفيس، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه، ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله