وقال القرطبيّ: اختُلف في وصف عيسى عليه السلام بكونه كلمة، فقيل: لأنه تكوَّن بكلمة "كن" من غير أب، وقيل: لأن الملك جاء أمَّه بكلمة البشارة به عن أمر الله تعالى، وهذان القولان أشبه ما قيل: في ذلك. انتهى (?).
وقال التوربشتيّ: "الكلمة" تقع على كلّ واحد من الأنواع الثلاثة: الاسم، والفعل، والحرف، وتقع على الألفاظ المنظومة، والمعاني المجموعة تحتها، وبهذا تُستعمل في القضيّة، والحكم، والحجة، وبجميعها ورد التنزيل، وكأنّ الكلام أُخذ من الكَلْم، فإن الكَلْمِ يُدرك تأثيره بحاسّة البصر، والكلام يُدرك تأثيره بحاسّة السمع، وأما تسمية عيسى بالكلمة، فإنه حجة الله تعالى على عباده، أبدعه من غير أب، وأنطقه في غير أوانه، وأحيا الموتى على يده، وقد قيل: إنه سُمي كلمةً؛ لكونه مُوجَدًا بـ "كن"، وقيل: لما انتُفع بكلامه سمي به، كما يقال: فلان سيف الله، وأسد الله، وقيل: لما خصّه الله به في صغره، حيث قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} الآية [مريم: 30] (?).
(أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) أي أوصلها إليها، وحصلها فيها (?)، وقيل: معنى "ألقاها"، أي أعلمها بها، يقال: ألقيتُ عليك كلمة: أي أعلمتك بها، قاله القاضي عياض (?).
وأصل الإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه، ثم استُعمل في كلّ طرح، ويقال: أبيقيتُ إليك قولًا، وسلامًا، وكلامًا، ومودّةً، وألقى الله الشيء في القلب: قذفه، وألقى القرآن: أوحى به، وأنزله (?).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، أي إنما هو عبد من عباد الله، وخلق من خلقه، قال له: كن فكان، ورسول من رسله، وكلمته القاها إلى مريم، أي: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بإذن ربّه - عَزَّ وَجَلَّ -، فكان عيسى بإذنه - عَزَّ وَجَلَّ -، فهو ناشئ