الحديث: "كان عاشوراء يومًا تصومه الجاهليّة ... " الحديث، متّفقٌ عليه، وقال عمر - رضي الله عنه -: "نذرت في الجاهليّة أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام ... " الحديث، متّفقٌ عليه، وفي إسلام أبي ذرّ - رضي الله عنه -، وأنه صلّى قبل المبعث بثلاث سنين مع صواحبه، وأنه كان يتوجّه عشاء حيث يوجّهه الله.

ومن طالع أخبارهم، ودرس أشعارهم، عَلِمَ ذلك منهم ضرورةً، فجاء الشرع بالأمر بهذه العبادات، وهي عندهم معلومة، مفهوم المراد منها، من أن الصوم إمساك مخصوصٌ عن أفعال مخصوصة بالنهار دون الليل، والاعتكاف لزوم التعبّد والتبرّر بمكان مخصوص، والحجّ قصدٌ مخصوصٌ لبيت الله الحرام، يشتمل على وقوف بعرفة، وطواف بالبيت، ودعاء، وذكر، وتبرّر، وأن الصدقة بذلُ المال للمحتاج، ثم سُمّيت زكاةً؛ لما فيها من زكاة المال ونمائه، أو زكاة صاحبه وتطهيره، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، فإن لم توجد تسمية الزكاة الشرعيّة قبلُ معروفةً، فالصدقة معروفةٌ، وقد قال الأعشى:

لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبُّ (?) وَنَائِلُ

ومع هذا التقرير، فلا مجال للخلاف مع الإنصاف، وقد طالعت بهذا الرأي أهل التحقيق من شيوخي، فما رأيت منهم مُنصفًا ردّه.

ثم اختلف الأصوليّون، والفقهاء من أصحابنا وغيرهم في ورود هذه الألفاظ الشرعيّة، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فقيل: هي مجملةٌ تحتاج إلى بيان، وقيل: هي عامّة تُحمَل على العموم، إلا ما خَصّ منها الدليل، وقيل: تُحمل على أصل ما يتناوله اللفظ، واستقصاء هذا في علم الأصول. انتهى كلام القاضي عياض - رحمه الله - (?).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره القاضي تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.

وخلاصته أن الألفاظ الشرعيّة من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015