متكلّمي أهل السنّة، وغيرهم من الفقهاء، وقد أطال المصنّفون في الأصول الكلام في هذا الباب، ومَدُّوا أطنابه، ومخالفة الجماهير من الموافقين والمخالفين جُرْأةٌ تامّةٌ، وجَسَارةٌ، وقولُ المرء لقول قيل يعتقد الصواب في خلافه غير بيّن وخسارة (?)، فالحقّ أحقّ أن يتّبع، لا سيّما بخلاف ليس في قاعدة دين، ومقالة تلوح بالحقّ اليقين، ولا تخرج عن مراد مشايخنا المحقّقين، وذلك أنه متى أُعطيت هذه الألفاظ من البحث حقّها وُجدت عند المخاطبين بها لأول ورودها من أهل الشريعة معروفة المعنى على ما جاءت به من أفعال مخصوصة، وعبارات مقرّرة إلا ما غيَّر الشرع فيها من بِدَع الجاهليّة، أو نَسَخ من شرائع مَن تقدّم من الكتابيّة (?)، لكن لا يبعُد أن أصل استعمال العرب لها في جاهليّتهم قبل ورود الشريعة كان على ما أشار إليه الأشياخ، إما من إيقاعها على المعنى الحقيقيّ في اللغة دون اعتبار المزيد فيها، على مذهب القاضي أبي بكر، أو على الجميع بحكم تشابه المعنى والاستعارة على ما ذهب إليه غيره، ثم استُعير استعمالهم لهذه الألفاظ عرفًا على جميع العبادات، فصارت كاللغة الصحيحة، والتسمية الموضوعة، فجاءهم الشرع، واستعمالُهم لها مفهوم عند جميعهم، فقد حقّقنا قطعًا بمطالعة السير، ومدارسة الأثر، واستقراء كلام العرب، وأشعارها أن الصلاة كانت عندهم معلومةً على هيئتها عندنا من أفعال، وأقوال ودعاء وخضوع وسجود وركوع، وقد تنصّر كثيرٌ منهم، وتهوّد، وتمجّس، وتقرّبوا بالصلوات والعبادات، وجاوروا أهل الديانات، وداخلوا أهل الملل، ووفَدَ أشرافهم على ملوكهم، وأَلِفَت قريش رحلةَ الشتاء والصيف إلى بلادهم، وثاقبوا ربّانيّيهم وأحبارهم، وشاهدوا رهبانيّتهم وشرائعهم، وثابر كثير منهم على بقايا عندهم من دين إبراهيم، وعرَفُوا السجود والركوع والصوم والحجّ والعمرة والاعتكاف، وحَجُّوا كلَّ عام، واعتمروا، واعتَكفوا، وحضُّوا على الصدقة، وصاموا عاشوراء، وفي