ونحوها على وفق معانيها اللغويّة، وليست من باب النقل، ولا المجاز، وإنما هي معلومة للعرب في جاهليّتهم، فخاطبهم الشرع بما يعرفونه، غير أنه أضاف لهم من الشروط، والأركان والمندوبات بعض ما كانوا يُخلّون به، ونقص منها ما كانوا يفعلونه من الأفعال المنافية للشرع؛ كالشركيّات، والبدع، والخرافات، فهذّب لهم التوحيد، والعبادات الخالصة لله تعالى.
والحاصل أن ما ادّعاه كثيرون من أن الألفاظ الشرعيّة منقولة من اللغويّة، أو مجاز واستعارة، أو نحو ذلك ادّعاء لا ينبني على التحقيق، بل مجرّد تخمينات وظنون، فلا ينبغي الاشتغال بالبحث فيه، والتعمّق في إدراكه؛ لأنه مجرّد هذيان، والله تعالى المستعان.
وأما الخلاف في ورود الأوامر بالألفاظ الشرعيّة، هل هي مجملة ... إلخ، فالحقّ أنها عامّة تُحمل على عمومها حتى يرد دليلٌ يخصّها، ويوضّح هذا عمل الصحابة - رضي الله عنهم -، فإنها كانوا إذا سمعوا أمرًا في كتاب الله، أو في سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يُبادرون إلى العمل به، ولا يبحثون هل له مخصّصات أم لا؟ إلى أن يبيّن لهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المراد الخاصّ، فيقبلونه، فلما نزل قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] جعل عديّ بن حاتم - رضي الله عنه - الخيطين تحت وسادته، فجعل يأكل حتى يتبيّنا له، فبيّن له - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك ليس المراد، بل هما بياض النهار وسواد الليل، وكذلك لما نزل قوله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان: 13] شقّ عليهم، فقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فبيّن لهم - صلى الله عليه وسلم - بأن الظلم هنا هو الشرك، وهكذا كانوا يحملون العمومات على ظواهرها إلى أن يأتي مخصّص، وكان النبيّ - رحمه الله - يقرّهم على فهمهم ذلك، ويبيّن لهم مخصصه إن اقتضى المقام ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(1) - (بَابُ بَدْءِ الأَذَانِ)
قال الجامع عفا الله عنه: فيه مسألتان:
(المسألة الأولى): في تعريف "الأذان" لغة وشرعًا:
(اعلم): أن "الأذان" بالفتح اسم من التأذين، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: وأَذَّن