واحتجّ الجمهور بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَرَض الله على أمتي خمسين صلاة ... " فذكر الحديث إلى أن قال: "فرجعتُ إلى ربي فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يُبدَّل القول لديّ"، مُتَّفَقٌ عليه.
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات، افترضهن الله على عباده، فمن جاء بهنّ، لم يَنقُص منهن شيئًا؛ استخفافًا بهنّ، فان الله جاعل له يوم القيامة عهدًا أن يدخله الجنة، ومن جاء بهنّ، وقد نقص منهن شيئًا، لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"، حديث صحيح، رواه أبو داود، وغيره.
وعن طلحة بن عبيد الله، أن أعرابيًّا أتى إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله ماذا فَرَض الله عليّ من الصلاة، قال: "خمس صلوات"، قال: فهل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع شيئًا ... " الحديث، متّفقٌ عليه.
والحاصل أن الحقّ أنه لا واجب من الصلوات إلا الخمس المكتوبات، إلا أن يكون بسبب؛ كالنذر، وقد تقدّم تحقيق القول في ذلك في "كتاب الإيمان"، مستوفًى، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال القاضي عياض - رحمه الله - بعد ذكر ما تقدّم من الاختلاف في اشتقاق الصلاة - ما نصّه:
ثم تشعّبت مذاهب المتكلّمين والنظّار من الفقهاء في هذه الأسماء المستعملة في الشرعيّات؛ كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، وشبهها، هل هي منقولة عن موضوعها في اللغة رأسًا؟ ، وهذا بعيدٌ، ومؤدٍّ إلى أن العرب خُوطبت، وأُمرت بغير لغتها.
أو هي مبقاةٌ على مقتضاها في أصل اللغة، فالصلاة الدعاء، والصيام الإمساك، والحجّ القصد، وهكذا في سائرها، وهو المراد بها، والمفهوم منها، وغير ذلك مما أُضيف إليها من أقوال، وأفعال، غير داخل تحت الاسم، وهو مذهب القاضي أبي بكر.
أو هي واقعةٌ على أصول مسمّياتها، ثم أُطلق على ما انضاف إليها بحكم الاشتمال، أو الاستعارة لمشابهة معناها، وهو مذهب الأشياخ والمحقّقين من