واحتجَّ من لم يخص الحكم بالتراب بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصلِّ"، وفي رواية: "فعنده مسجده وطهوره"، فهذا يُبَيِّن أن المسلم في أيّ موضع كان عنده مسجده وطهوره، ومعلوم أن كثيرًا من الأرض ليس فيها ترابُ حرث، فإن لم يجز التيمم بالرمل كان مخالفًا لهذا الحديث، وهذه حجة مَن جَوَّز التيمم بالرمل دون غيره، أو قَرَن بذلك السَّبِخَة، فإن من الأرض ما يكون سبخة، واختلاف التراب بذلك كاختلافه بالألوان، بدليل قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنوه على قدر تلك القبضة، جاء منهم الأسود والأبيض، وبين ذلك، وجاء منهم السهل والْحَزْن، وبين ذلك، ومنهم الخبيث والطيب، وبين ذلك"، وآدم إنما خُلِق من تراب، والتراب الطيب والخبيث الذي يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا، يجوز التيمم به، فعلم أن المراد بالطيب الطاهرُ، وهذا بخلاف الأحجار والأشجار، فإنها ليست من جنس التراب، ولا تَعْلَق باليد، بخلاف الزرنيخ والنورة، فإنها معادن في الأرض، لكنها لا تنطبع كما ينطبع الذهب والفضة والرصاص والنحاس، قاله شيخ الإسلام رحمه اللهُ (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من بيان المذاهب، وأدلّتها أنّ أرجحها مذهب أبي حنيفة، ومالك - كما قال النوويّ - وهو جواز التيمّم بكلّ ما كان من جنس الأرض، وإن لم يَعْلَق باليد؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): في اختلاف أهل العلم في حكم من فقد ماءً، وصعيدًا:
قال النوويّ رحمه اللهُ: هذه المسألة فيها خلاف للسلف والخلف، وهي أربعة أقوال للشافعيّ: [أصحها]: عند أصحابنا أنه يجب عليه أن يصلي، ويجب عليه أن يعيد الصلاة، أما الصلاة فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما