والحاصل أن جواز التيمّم للمريض الواجد ماءً إذا شقّ عليه استعماله هو الحقّ؛ لوضوح حجّته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم في معنى الصعيد:
(اعلم): أنهم اختلفوا فيه على أقوال:
فقيل: يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض، وإن لم يَعْلَق بيده، كالزِّرْنِيخ، والنُّورة، والْجِصّ، وكالصخرة الملساء، فأما ما لم يكن من جنسها كالمعادن فلا يجوز التيمم به، وهو قول أبي حنيفة، ومحمدٌ يوافقه، لكن بشرط أن يكون مُغَبَّرًا، لقوله: {مِنْهُ}.
وقيل: يجوز بالأرض، وبما اتصل بها حتى بالشجر، كما يجوز عنده وعند أبي حنيفة بالحجر والمدَر، وهو قول مالك، وله في الثلج روايتان: إحداهما: يجوز التيمم به، وهو قول الأوزاعيّ، والثوريّ، وقيل: يجوز بالتراب والرمل، وهو أحد قولي أبي يوسف، وأحمد في إحدى الروايتين، وروي عنه أنه يجوز بالرمل عند عدم التراب، وقيل: لا يجوز إلا بتراب طاهر له غبارٌ يَعْلَق باليد، وهو قول أبي يوسف، والشافعيّ، وأحمد في الرواية الأخرى.
واحتجّ هؤلاء بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، وهذا لا يكون إلا فيما يعلق بالوجه واليد، والصخرُ لا يعلق لا بالوجه ولا باليد، واحتجوا أيضًا بأن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: الصعيد الطيب تراب الحرث، واحتجوا أيضًا بقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلت لي الأرض مسجدًا، وجُعلت تربتها طهورًا"، قالوا: فعَمَّ الأرض بحكم المسجد، وخَصَّ تربتها، وهو ترابها بحكم الطهارة.
قالوا: ولأن الطهارة بالماء اختَصَّت من بين سائر المائعات بما هو ماء في الأصل، فكذلك طهارة التراب تختص بما هو تراب في الأصل، وهما الأصلان اللذان خُلِق منهما آدم، الماء والتراب، وهما العنصران البسيطان، بخلاف بقية المائعات والجامدات، فإنها مركبة.
واحتج الأولون بقوله تعالى: {صَعِيدًا} قالوا: والصعيد هو الصاعد على وجه الأرض، وهذا يعمّ كل صاعد، بدليل قوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)} [الكهف: 8]، وقوله: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40].