الآية [المائدة: 6]، قال: إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل الله، أو قروح، أو جُدَريّ، فجَنُب، فخاف أن يغتسل فيموت، يتيمم بالصعيد، ورَخَص مجاهد في التيمم للمَجْدُور، وقال عكرمة: يتيمم الذي به القُروح أو الجروح، ورَخَّص طاوس في ذلك للمريض الشديد المرض، وكذلك قال قتادة، وحماد بن أبي سليمان، وإبراهيم للذي به الْجُدَريّ أن يتيمم، وكذلك قال مالك في المجدور والمحصوب، إذا خافا على أنفسهما.
وقالت طائفة: إنما رُخِّص في التيمم للمريض الذي لا يجد الماء، فأما مَن وجد الماء فليس يجزيه إلا الاغتسال، واحتج بظاهر قوله بعد أن ذكر المريض وغيره: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} الآية [النساء: 43]، هذا قول عطاء، وكان الحسن يقول في المجدور تصيبه الجنابة: يُسَخَّن له الماء فيغتسل به، ولا بُدَّ من الغسل.
قال ابن المنذر رَحمه اللهُ: وبالقول الأول أقول؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} الآية [النساء: 29]، وقد ثبت أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - احتَلَم في ليلة باردة، فأشفق إن اغتسل أن يهلك، فتيمم وصلى، وذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فضحك ولم يقل شيئًا (?)، وليس بين من خاف إن اغتسل أن يَتْلَف من البرد، وبين من به علة يخاف الموت إن اغتسل من أجلها فرقٌ، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - المبيّن عن الله تعالى معنى ما أراد، لو كان ما فَعَل عمرو غير جائز لعلَّمه ذلك، ولأمره بالإعادة، ففي إقراره ذلك من فعله، وترك الإنكار عليه دليل على إجازة ما فعله. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رَحمه اللهُ تحقيقٌ حسنٌ جدًّا.