فإنه يكفيك"، متّفقٌ عليه، وغير ذلك من الأدلّة الصحيحة؛ فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في جماع من لا يجد الماء أهله:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه اللهُ: اختَلَف أهل العلم في غَشَيان من لا ماء معه من المسافرين وغيرهم، فكرهت طائفة لمن هذه صفته أن يجامع، وممن رَوَينا عنه أنه كره ذلك عليّ، وابن مسعود، وابن عمر، وبه قال الزهريّ، وقال مالك: لا أحب له أن يصيب أهله إلا ومعه ماء.
وأباحت له طائفة غشيان أهله، وإن لم يكن معه ماء، فقالت: يتيمم، ويصلي، رُوي هذا عن ابن عباس، وبه قال جابر بن زيد، والحسن، وقتادة، وهو قول سفيان، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وقال: قد فعله ابن عباس، وقال في مكان آخر: يتوقاه أحب إليّ إلا أن يخاف، قال إسحاق: هو سنة مسنونة من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في أبي ذر وعمار، وفعله ابن عباس.
وقال أصحاب الرأي: يطؤها، واحتجوا بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43 والمائدة: 6].
وفي المسألة قول ثالث قاله عطاء، قال في المسافر لا يجد الماء: إن كان بينه وبين الماء أربع ليال فصاعدًا، فليُصْبِ أهله، وإن كان بينه وبينه ثلاث ليال فما دونها، لم يصب أهله، وقال الزهريّ: إن كان في السفر، فلا يقربها حتى يأتي الماء، وإن كان أعزب فلا بأس أن يصيبها، وإن لم يكن عنده ماء.
قال ابن المنذر رَحمه اللهُ: وبهذا القول نقول؛ لأن الله تعالى أباح وطء الزوجة وملك اليمين، فما أباح فهو على الإباحة، لا يجوز حظر ذلك، ولا المنع منه إلا بسنة أو إجماع، والممنوع منه حال الحيض، والإحرام، والصيام، وحال المظاهر قبل أن يكفّر، وما وقع تحريم الوطء منه بحجة، فأما كل مختَلَف فيه في ذلك فمردود إلى أصل إباحة الكتاب الوطء، قال تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، وقد جعل التيمم طهارة لمن لا يجد الماء، ولا فرق بين من صلى بوضوء عند وجود الماء، وبين من صلى بتيمم حيث لا يجد الماء؛ إذ كلٌّ مُؤَدٍّ ما فُرِض عليه.