وإن قال: أريد برفعه أنه رفع منع المانع، فلم يبق مانعًا إلى حين وجود الماء، فقد أصاب، وليس بين القولين نزاع شرعيّ عمليّ.

وعلى هذا فيقال على كل من القولين: لم يبق الحدث مانعًا مع وجود طهارة التيمم، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد جعل التراب طهورًا كما جعل الماء طهورًا، لكن جعل طهارته مقيدة إلى أن يجد الماء، ولم يشترط في كونه مطهرًا شرطًا آخر، فالمتيمم قد صار طاهرًا، وارتفع منع المانع للصلاة إلى أن يجد الماء، فما لم يجد الماء فالمنع زائل، إذا لم يتجدد سبب آخر يوجب الطهارة، كما يوجب طهارة الماء، وحينئذ فيكون طهورًا قبل الوقت، وبعد الوقت، وفي الوقت، كما كان الماء طهورًا في هذه الأحوال الثلاثة، وليس بين هذا فرق مؤثِّرٌ إلا إذا قدر على استعمال الماء، فمن أبطله بخروج الوقت، فقد خالف موجب الدليل.

وأيضًا فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل ذلك رخصة عامة لأمته، ولم يَفْصِل بين أن يقصد التيمم بفرض، أو نفل، أو تلك الصلاة، أو غيرها، كما لم يفصل في ذلك في الوضوء، فيجب التسوية بينهما، والوضوء قبل الوقت فيه نزاع، لكن النزاع في التيمم أشهر.

وإذا دلت السنة الصحيحة على جواز أحد الطهورين قبل الوقت، فكذلك الآخر، كلاهما متطهر، فَعَلَ ما أمر الله به، ولهذا جاز عند عامة العلماء اقتداء المتوضئ والمغتسل بالمتيمم، كما فَعَل عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وأقره النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكما فعل ابن عباس حيث وطئ جارية له، ثم صلى بأصحابه بالتيمم، وهو مذهب الأئمة الأربعة، ومذهب أبي يوسف وغيره، لكن محمد بن الحسن لم يُجَوِّز ذلك؛ لنقص حال المتيمم.

وأيضًا كان دخول الوقت وخروجه من غير تجدد سبب حادث لا تأثير له في بطلان الطهارة الواجبة؛ إذ كان حال المتطهر قبل دخول الوقت وبعده سواءً، والشارع حكيم إنما يثبت الأحكام ويبطلها بأسباب تناسبها، فكما لا يبطل الطهارة بالأمكنة، لا يبطل بالأزمنة، وغيرها من الأوصاف التي لا تأثير لها في الشرع.

[فإن قيل]: هذا ينتقض بطهارة الماسح على الخفين، وطهارة المستحاضة، وذوي الأحداث الدائمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015