[أحدهما]: أنه سواء كان يرفع الحدث أو لا يرفعه، فإن الشارع جعله طهورًا عند عدم الماء، يقوم مقامه، فالواجب أن يثبت له من أحكام الطهارة ما يثبت للماء، ما لم يقم دليل شرعيّ على خلاف ذلك.

[الوجه الثاني]: أن يقال: قول القائل: يرفع الحدث أو لا يرفعه، ليس تحته نزاع عَمَليّ، وإنما هو نزاع اعتباريّ لفظيّ، وذلك أن الذين قالوا: لا يرفع الحدث قالوا: لو رفعه لم يَعُد إذا قدر على استعمال الماء، وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يبطل بالقدرة على استعمال الماء، والذين قالوا: يرفع الحدث إنما قالوا برفعه رفعًا مؤقتًا إلى حين القدرة على استعمال الماء، فلم يتنازعوا في حكم عمليّ شرعيّ، ولكن تنازعهم ينزع إلى قاعدة أصولية، تتعلق بمسألة تخصيص العلة، وأن المناسبة هل تنخرم بالمعارضة؟ ، وأن المانع المعارض للمقتضي هل يرفعه أم لا يرفعه اقتضاؤه مع بقاء ذاته؟ .

ثم أفاض شيخ الإسلام رحمه اللهُ في تحقيق هذا الموضوع إلى أن قال:

وهكذا القول في كون التيمم يرفع الحدث أو لا يرفعه، فإنه فرع على قول من يقول: إنه يرفع الحدث، فصاحب هذا القول إذا تبين له أنه يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا إلى أن يقدر على استعمال الماء ثم يعود، هذا المعنى ليس بممتنع، والشرع قد دل عليه، فجعل التراب طهورًا، والماء يكون طهورًا إذا أزال الحدث، وإلا مع وجود الجنابة يمتنع حصول الطهارة، ومن قال: إنه ليس برافع، ولكنه مبيح، والحدث هو المانع للصلاة، وأراد بذلك أنه مانع تامّ كما يكون مع وجود الماء، فهذا غالط، فإن المانع التامّ مستلزم للمنع، والمتيمم يجوز له الصلاة ليس بممنوع منها، ووجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، وإن أريد أن سبب المنع قائم، ولكن لم يعمل عمله لوجود الطهارة الشرعية الرافعة لمنعه، فإذا حصلت القدرة على استعمال الماء حصل منعه في هذه الحال، فهذا صحيحٌ.

وكذلك من قال: هو رافع للحدث إن أراد بذلك أنه يرفعه كما يرفعه الماء، فلا يعود إلا بوجود سبب آخر كان غالطًا، فإنه قد ثبت بالنص والإجماع، أنه إذا قدر على استعمال الماء استعمله، وإن لم يتجدد بعد الجنابة الأولى جنابة ثانية بخلاف الماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015